الحاج علي، الرجل الذي رايناه جميعا دون ان نعرف شكل وجهه، السجين الذي كان يقف في صور ابو غريب فوق الكرسي وقد غطي وجهه بالقلنسوة الكهربائية، وربطت يداه الى اسلاك الكهرباء. نسيناه كلنا… لم يفكر احدنا بالاستماع الى شهادته… لكن الايطاليين هم من فكروا بذلك… وارادوا ان يجعلوا منها شهادة ضد الامبريالية الاميركية واحتلالها للعراق. عرفوا ان صورته هي المعادل الموضوعي لتمثال الحرية الاميركي، وارادوا ان يقدموها كذلك للعالم، فدعوه الى مؤتمر لدعم المقاومةالعراقية في روما، ولم يكن غريبا الا تمنحه السلطات الامنية لبرلسكوني تاشيرة دخول لاسباب امنية. لكن المهم ان الفكرة جاءت من هناك، من روما في الوقت الذي ترتسم فيه صورة اخرى عندنا في العالم العربي كله. فمن لا يبدو متواطئا على المقاومة العراقية، مجندا في الخط الاميركي لافشالها، يبدو مرعوبا مصابا بالبهسة من امكانية التصريح بدعمه لها، فكيف بالاحرى التحرك في خط هذا الدعم.
لذا يبدو انه على من يريدون التحرك باتجاه هذا الدعم ان يتذكروا حسني البرزان- رحمه الله- ويحزموا حقائبهم الى ايطاليا، فهناك في عاصمة الامبراطورية الرومانية القديمة، تدور معركة مواجهة بين الامبراطورية الجديدة واتباعها من جهة، وبين مناصري احفاد سبارتاكوس، او بالاحرى احفاد زنوبيا، من جهة اخرى .
لجنة العراق الحر، لجنة تتحرك لدعم المقاومة العراقية، برئاسة ناشط ايطالي يدعى ايمانويل فانيسي. ومن ابرز تحركاتها، التي شغلت المحاكم الايطالية من جهة، والكونغرس الاميركي من جهة اخرى، قضيتان عرفت الاولى بقضية حملة العشرة يورو، والثانية بمؤتمر دعم المقاومة.
ففي الاولى دعت اللجنة الى حملة لجمع التبرعات لدعم المقاومة تبدا بعشرة يور، وفتحت لذلك حسابا مصرفيا في احد المصارف الايطالية، باسم فانيسي المذكور. اما في الثانية فقد دعت اللجنة الى مؤتمؤ موسع لدعم المقاومة ومكافحة الامبريالية، تحت عنوان : ” اترك العراق بسلام… ادعم المقاومة الشرعية للشعب العراقي ” ووجهت الدعوة الى عدد من النشطاء والشهود للحديث فيه ومن بين هؤلاء سجين ابو غريب المذكور.
كثيرون من العرب سيعلقون على الخبر بانه تحرك محدود من قبل بعض النشطاء اليساريين في ايطاليا، لكن الولايات المتحدة لم تستخف ابدا بالامر، وعليه وجه اربعة واربون عضوا من الكونغرس الاميركي رسالة الى الحكومة الايطالية مطالبين بمنع المؤتمر ووقف حملة التبرعات.
المطلب الاول كان ممكنا عبر رفض وزير الداخلية منح تاشيرات دخول للمشاركين الاجانب، وبذلك يمكن تحجيم الفعالية ان لم يكن منعها. اما المطلب الثاني فان افضل وسيلة لتحقيقه كانت رفع دعوى قضائية على الرجل الذي سجل الحساب باسمه، بتهمة “عضوية منظمة هدفها القيام بارهاب دولي” .
محكمة تحقيق بيروجيا ردت الدعوى وامرت بارجاع الحاسوب وجميع الوثائق التي صادرتها الشرطة السياسية من فانيسي، لكن المدعي العام استانف الحكم وما تزال المواجهة مستمرة .
مستمرة بشان الدعوى ومستمرة بشان المؤتمر حيث اعلن النشطاء اضرابا عن الطعام امام وزارة الخارجية الايطالية احتجاجا على منع وزير الخارجية لمؤتمرهم.
المواجهة لم تبدا هنا ولن تنتهي هنا، فقد سبق وان اعتقلت السلطات ثلاثة من قادة دعم المقاومة في العام الفائت لكنها لم تلبث ان اطلقت سراحهم، وها هم يتابعون مع اخرين نشاطهم، في حين نكتفي نحن، في احسن الحالات بالبكاء واللطم، ونجد في التيئيس وقطع الامل افضل وسيلة لتبرير التقصير.