من وزارة الخارجية الاميركية الى البرلمان الاوروبي، بدأ تحرك »السوريون الجدد« -اسوة بالمحافظين الجدد والعراقيين الجدد- فبعد الاجتماع الذي عقد قبل يومين في وزارة الخارجية الاميركية بين مجموعة من الاميركيين من اصل سوري ومسؤولين في الادارة الاميركية على رأسهم ابنة نائب الرئيس ديك تشيني وبينهم مساعد وولفويتس مهندس الحرب على العراق، يتوقع ان يلقي نجيب الغادري الذي ترأس المجموعة المذكورة، خطابا في لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الاوروبي في جلسته المقبلة المخصصة للعلاقة السورية الاوروبية.
المجموعة السورية التي وردت اسماؤها في وسائل الانباء مكونة من اشخاص لم يكد يسمع بهم احد على الساحة العربية، واول ما يلفت النظر انهم من الرأسماليين الاثرياء. اما ما تسرب عن مجريات الاجتماع فيدل على انهم لم يحرضوا فقط على الحكم السوري بل وعلى الاميركيين ذوي الاصل السوري الذين يتخذون موقفا مخالفا لهم ويتعاونون مع السفير السوري لدى واشنطن في محاولة درء الخطر عن سوريا.
المفاتيح السحرية، فهمها هؤلاء المتعاونون بشكل جيد: فمنها الاساسي الذي يمثل شبيك لبيك، وهو العلاقات مع اسرائيل، وقد امتشقه الغادري واعلن ان تطبيع العلاقات مع الدولة العبرية في مصلحة سوريا. اما المفتاح الاخر الذي يستخدم لفتح اذن الغرب، كما يدغدغ اذن جميع المقموعين في العالم العربي، وينفع في الوقت ذاته لتغطية اقبح الخيانات بقناع من الانسانية والحرية، فهو الحديث عن حقوق الانسان، وعن معتقلي الرأي.
هنا يقتضي التوقف عند اكثر من ملاحظة: اولاها ان كلمة الحق هذه التي يراد بها ابشع باطل تظل كلمة حق، وان المبادرة الى الاصغاء اليها لا تعد ابدا من باب الانصياع الى ارادة هؤلاء الخونة وانما من باب نزع الفتيل من القنبلة الموقوتة.
ثانيها ان رجلا مثل الدكتور رياض سيف، هو في المعتقل مادة ابتزاز بيد هؤلاء، حتى ولو لم يرد، في حين انه خارج السجن سيصبح ورقة قوة في معسكر حماية سوريا الوطن.
ثالثها، ان المبادرة الشجاعة باتجاه الجهات التي تشكل ثقلا شعبيا على الساحة الداخلية السورية، عبر الحوار، وعبر تمثيل ديمقراطي حقيقي ومشاركة، ستضع هؤلاء الذين لا يملكون اية امتدادات شعبية في حجمهم الحقيقي، وتجردهم من القناع الذي يخفي وجههم البشع.
اما رابعها، وهو ذلك المرتبط بطبيعة تركيب المجتمعات سياسيا، وبعلاقة الفراغ بمن يملؤه، فهو واقع انه لا بد لكل ساحة سياسية من قطاع موالاة وقطاع معارضة، لا يختلفان ابدا على الثوابت الحقيقية المتعلقة بالوطن وانما على وسائل تحقيقها، واذا ما استمر الحكم في تغييب المعارضة الحقيقية التي من هذا النوع برزت المعارضات الاخرى العميلة المرتبطة بالاجنبي. ذاك ان قوة القطاعين اللذين ذكرنا انما تقوم على قدرة كل منهما على اكتساب القاعدة الشعبية، وبالتالي على تمثيل ارادة الناس، في حين ان قوة من لا يملك هذه الركيزة انما تستند الى مجرد الدعم الاجنبي.
لذا لا بد من ان تتحرك القيادة السورية بشكل جريء وشجاع للالتفاف على هذا الخطر، خاصة وان اوروبا التي اتخذت موقفا معتدلا من العراق تبدو الان منحازة الى السياسة الاميركية بخصوص سوريا. وها هو الغادري يكرر للاميركيين خطاب احمد الجلبي، اذ يقول لهم ان السوريين سيرفعون صور الرئيس بوش بدلا من صور الرئيس الاسد ولسنا ندري ما اذا كانت سلال الورود الموعودة والتي تنهمر يوميا في العراق قد كانت كافية لتعليم الاميركيين درسا ما.