من الاغتيالات المتلاحقة، الى الازمات السياسية، الى الخطب النارية التي لا تتقي الله لا في الوطن ولا في المواطن، لم تنجح محاولات التفجير على الساحة اللبنانية. تلك المحاولات التي كان يراد لها ان تنسحب على الساحة العربية كلها، خاصة اذا ما نجحت في الالتحام بما يحصل على ارض العراق.
وعندما لم تنجح كلها، بدأت المفاجأت الغريبة العجيبة، فمن تسريب تهديد ما سمي ببدعة تنظيم القاعدة في بلاد الشام بقتل زعماء الشيعة في لبنان، الى عودة البكري المفاجئة الى بيروت.
لم ينجح تهديد من يسمون انفسهم بالقاعدة في زرع الفتنة بين السنة والشيعة، حيث لم تنجح بين المسيحيين والمسلمين.
وها هو الاسلامي المتشدد الغامض يهبط في مطار بيروت ليثير ازمة لا نعرف الى ماذا ستؤول .
الرجل غامض في كل شيء وحوله ترتسم عشرات الاسئلة: بدءا من جنسيته، فهل هو لبناني ام سوري؟ وكيف حصل على الجنسية اللبنانية، وممن؟ ولماذا قرر العودة الى البلد ؟ ومن الذي ارسله؟ كيف خرج من لندن وهو الرجل المطلوب امنيا وسياسيا؟ ما طبيعة النشاط الذي ينوي اتخاذه انطلاقا من الاراضي اللبنانية ضد سوريا؟
واية ازمة يمكن ان يثيرها وجوده بين البلدين؟
ما منسوب الشحن الطائفي الذي سيرفع وتيرته على الساحة اللبنانية نفسها؟ خاصة مع تزامن عودته مع عودة سمير جعجع من باريس ومعه جميع قادة ميليشيات القوات اللبنانية الذين اجبرهم كم جرائمهم، ودرجة تورطهم على الفرار من لبنان طوال السنوات الماضية . هؤلاء الذين كان عملهم الميليشياتي على الساحة اللبنانية، يتم طوال الحرب الاهلية اللبنانية بالتنسيق مع اسرائيل وبدعمها العسكري والسياسي والامني والاعلامي . مما يطرح السؤال البديهي: هل انقطعت علاقتهم بالدولة العبرية وموسادها وسائر اجهزتها خلال وجودهم في المنفى. وما المهمة التي سيتكفلون بها بالتنسيق مع اسرائيل عند عودتهم؟
مهمة ليس هناك ما يسهلها اكثر من تعميق الخطاب الطائفي ومعه كل ما يبنى عليه من احقاد ومن مخاوف. وهذا ما يقتضي تفعيل الخطاب الطائفي المقابل، بابشع صوره تشددا وانعزالية. صور لا يؤمنها حزب الله على سبيل المثال رغم طابعه الطائفي. ولا تؤمنها الكثير من التيارات الاسلامية الاخرى التي قد تجد معادلها في ميشال عون او امين الجميل او سواهما من السياسيين المسيحيين ومن وراءهم.
ثمة صورة اكثر تطرفا وذات طبيعة اخرى ميليشيوية، ارهابية، قادمة على الجانب المسيحي، ولا بد من خلق معادل لها على الجانب الاسلامي.
واذا ما كان لهذا المعادل ان يؤمن صداما اخر مع سوريا، فالنتيجة تكون افضل.
خلاصة واحدة لا يمكن الا وان يؤدي اليها أي تحليل، هي ان استمرار التوزيع الطائفي، والخطاب الطائفي، والعقلية الطائفية لن يكون من شأنها الا ان تغذي استمرار التفجير المتواصل منذ اكثر من قرن ونصف.