اول ما رشح عن انتخاب البابا الجديد ملامح مختلفة منها مايتعلق بالعقدي ومنها ما يتعلق بالسياسي. لكن الملفت ان الاعلام الاسرائيلي، هو الذي سارع الى تلقف الحالة مركزا على ان ريتزنغر هو الذي قدم للبابا السابق التبرير اللاهوتي للاعتراف بدولة اسرائيل.
كلام صحيح، وصحيح معه ايضا علاقة البابا الراحل بحاخام روما الذي قيل ا ن يوحنا الثالث والعشرين قد ذكره في وصيته. وكان هذا الحاخام هو اول من علق على انتخاب البابا الجديد. غير ان الحقيقة هي ان البابا ذكر العديد من رجال الدين غير المسيحيين في العالم، من الذين تعامل معهم، ومن بينهم حاخام روما، فاهمل الاعلام الجميع وركز على الاخير فقط.
لذا فان التعاطي الحكيم مع المسألة يقتضي عدم تكرار ما يقوله الاعلام الصهيوني ببغائيا. واول الاسباب ان هذا الاعلام لا يقول شيئا عن عبث او عن ارتجال. فالرجل اصبح الان يتربع على قمة الكنيسة الكاثوليكية مما يمنحه موقعا معنويا مؤثرا على جزء كبير من الكرة الارضية. ولذا لا بد من التبصر في سيرته ومواقفه لمعرفة مداخل التعامل معه. بدءا من الاسم الذي اختاره لنفسه، تيمنا بالبابا الذي عارض الحرب العالمية الاولى وتحمس لدور عصبة الامم. وفي ذلك رسالة تشير الى اعتماد احترام القانون الدولي في طريق السلام، يمكن لنا من خلالها ان نجد مدخلا للتعامل معه بدءا من فلسطين وانتقالا الى العراق.
من جهة ثانية لا بد من الانتباه الى ان الرجل الماني، مما يعني انه سيكون بامكان القوى اليهودية والصهيونية في العالم ان تلعب على عقدة الذنب التي يعيشها كل الماني تجاه اليهود، وتعمل هذه القوى على ترسيخها كما الدق على مسمار صلب، يضاف اليها طرق اخر تمارسه القوى عينها على مسمار اخر يتعلق بالكنيسة الكاثوليكية لزرع مركب ذنب اخر ازاء اليهود، يتم جني ثماره لصالح اسرائيل واللوبيهات اليهودية في العالم. غير ان للعملة وجها آخر وهو ان من مصلحة الحبر الاعظم الجديد ان يصار الى تخفيف هذه العقد والى تفكيك مركب الذنب عبر عملية الدفاع او عبر عملية اخرى هي التركيز على الجرائم التي يرتكبها اليهود انفسهم في فلسطين او عبر فضح عمليات الابتزاز التي تبنى على هذا التاريخ المنقضي.
اما بالنسبة لاوروبا فان البابا الجديد صديق لفرنسا ومن المتحمسين للمحور الالماني الفرنسي، وهذا ما يناسب مصالحنا نحن في العالم العربي، لان هذا المحور هو طريق التوازن مع احادية الولايات المتحدة الاميركية، لكنه من جهة اخرى معارض لانضمام تركيا الى الاتحاد الاوروبي بناء على خوف يبديه بوضوح على الطبيعة الكاثوليكية للقارة، ومن هنا ينفذ الكلام الى موقفه المتشدد من الناحية العقدية في الحفاظ على مفاهيم الكنيسة الكاثوليكية.
واذا كنا مبدئيا ضد التشدد بشكل لا ريب فيه، فان ثمة سؤالا يطرح نفسه حول فائدة هذا التشدد في حماية المسيحية من عملية التهويد التي تستهدفها بشكل حثيث في الغرب. اما التشدد بمعنى التطرف والمحافظة فهو على ما يبدو روح المرحلة لتي تفرض نفسها علينا رغما عنا. دون ان نكون مجبرين على الانصياع لها.