السابع من آب، موعد كان من المفترض ان يكون حاسما وخطيرا لأكثر من طرف: ايران اولا، المنطقة كلها ثانيا، اوروبا ثالثا والعالم كله اخيرا. فالسابع من آب هو انتهاء المهلة التي حددتها الترويكا الاوروبية لتقديم عرضها لايران، مقابل التزام الاخيرة باستمرار وقف برنامجها النووي. لكن ايران استبقته بيومين واعلنت على لسان رئيسها موقفها المسبق منه.
اوروبا التي تقف بكل امكانات التاجر المفاوض، ودور الوسيط الذي يتصرف على اساس انه يحاول تجنيب العالم ازمة دولية كبرى، في حين انه انما يحاول في الحقيقة ان يكون وسيطا مدفوع الأجر. وذاك امر طبيعي اذ ليست السياسة الدولية جمعية خيرية، لا ولا رهبنة مسيحية تبحث تقوم على السلام والمحبة.
الوضع الدولي يجعل الاطراف الثلاثة المعنية اساسا بالموضوع مضطرة الى التفاهم:
ايران لا تريد بالطبع الوصول الى مجلس الامن او الى ازمة دولية، وفق تعبير الترويكا الاوروبية على لسان وزير الخارجية الفرنسي دوست بلازي، اوروبا لا تريد ان تتفاقم الازمة الايرانية لانها ستكون في وضع صعب جدا اذا ما اندلعت المواجهة بين الايرانيين والامريكيين، فلا هي بقادرة، هذه المرة على مخالفة الموقف الامريكي كما فعلت خلال الازمة العراقية، ولا هي بقادرة ايضا على دعم خيار المواجهة، كما انها ستكون في الحالين بعيدة عن تحقيق اية مصالح لها في منطقة الشرق الاوسط وفي دولة نفطية واستراتيجية كايران.
اما الامريكيون فانهم لا يريدون التراخي مع ايران، لكنهم في الوقت نفسه عاجزون عن المضي في التشدد معها مع تفاقم غرقهم في المستنقع العراقي.
ويبقى الطرف الاخير الذي يحرك اكثر الخيوط دون ان يكون في واجهة المشهد: اسرائيل. اذ انه من الواضح تماما ان النقطة المركزية في الازمة مع ايران هو امكانية ان تشكل القوة النووية الايرانية، خطرا على الدولة العبرية او على الاقل معادلا توازنيا لقوتها النووية، يلغي واقع تفوقها في هدا المجال.
لذا يحمل الاوروبيون ببساطة عصا وجزرة كلاهما ذو شأن: وعن كليهما تحدث وزير الخارجية الفرنسي بتفصيل، كأنه الناطق الرسمي باسم الغرب كله. وعليه رد الرئيس الايراني امس برفض المقترحات التي لا تلبي مطالب ايران.
العصا بسيطة وهي التهديد باللجوء الى مجلس الامن، مما يعني دفع الملف الى اليد الامريكية واصطفاف اوروبا وراءها وصولا الى العقوبات.» اذا خرج الايرانيون عن الاتفاق فهنا يصبح اندلاع ازمة دولية امرا ممكنا- يقول بلازي مضيفا – رغم ان هدا الافتراض ليس هو المفضل لدينا« والعصا يبدو انها لم تخف ايران لاكثر من سبب.
اما الجزرة فمتعددة الرؤوس والفروع: منها ما يتعلق بالاقتصاد، منها ما يتعلق بالسياسة، ومنها ما يتعلق بالامن. وذلك ما عبر عنه دوست بلازي بقوله حرفيا: »الاوروبيون سيقدمون عروضا سخية سياسية، اقتصادية، تجارية، وتكنولوجية، كما على صعيد الامن والنووي المدني، والتعاون الممكن في مجال الطاقة وصولا الى تصور اتفاقية تجارية مشتركة بين اوروبا والاتحاد الاوروبي«.
اما في المجال السياسي فيحدد دوست بلازي: »كذلك يتضمن العرض الاوروبي افكارا اوروبية لتطوير التعاون في المجالات السياسية والامنية خاصة تلك القضايا الاقليمية التي تمثل مصلحة مشتركة للجانبين« ولم يكن الامر يحتاج الى الكثير من التحليل لنفهم المقصود بالقضايا الاقليمية والامنية غير ان الوزير حرص على التوضيح: »الامن يندرج من عدم الاعتداء الى القضايا الاخرى التي تكون موضع نقاش خلال التفاوض: العراق ولبنان«.
فما الذي يريده الاوروبيون، والامريكيون من ورائهم بشأن العراق؟
وما الذي يريدونه كذلك بشأن لبنان؟
سؤالان يعنيان في العمق ان الاول يقود الى الامريكيين والثاني الى اسرائيل، وبما ان الاثنين واحد فان المحصلة النهائية هي ان لب الرهان الذي تدور حوله الامور هو واحد امني – سياسي، وما عداه ملحقات اذ لا يمكن تصور ان التفاوض حول اتفاقيات اقتصادية يحتاج الى كل هده الضجة والازمة الدولية، ولا الى كل عملية عض الاصابع الدائرة.
غير ان ما يمكن تصوره بدقة هو ان القضية الان هي ان اوروبا تحاول انتزاع ما تريده واشنطن وتل ابيب من طهران، لقاء اجر سخي، يحاول السمسار الاوروبي ان يجعل فيه اغراء للجانب الايراني، ويسميه دوست بلازي :
فصلا جديدا في العلاقة الاوروبية – الايرانية…. لكن الايرانيين هم ايضا : اهل البازار.