نحن لم نعد نهتم كثيرا بالاعلام، شركاتنا واستثماراتنا هي التي تسوق بلادنا.
كنت اسمع هذا الكلام ذاهلة من رجل هو احد مسؤولي الاعلام الخارجي في احدى الدول الخليجية. وعندما نقلته لزميلة اخرى تعرف البلد اكثر قالت لي ان هذا الشاب جديد وعديم الخبرة.
لكن الكلام عاد الى ذهني وانا اسمع رجل المال الاماراتي المتبرع بشراء المستوطنات من شارون يتحدث الى داوود الشريان من على شاشة تلفزيون دبي.
ربما لم يسبق ان شهدنا او سمعنا شخصا يتحدث عن الاعلام بمثل تلك السخرية، وذاك الاستخفاف بل والماضي حد الاحتقار. هؤلاء الذين لا وقت لديهم الا للكتابة، قال الرجل، مضيفا: ليذهبوا الى هناك ويروا. ومرارا كرر الرجل هجومه على الصحافة، بل وعلى الصحافة الاماراتية نفسها، لكنه هجوم لم يرق الى مستوى الحدة، لانه كان دائما متلبسا الاستخفاف والاحتقار، الذي لا ينأى عن الابتسامة الساخرة.ولم يشابه هجومه على الصحافة الا هجومه على لجان مقاومة التطبيع.
بعيدا عن مناقشة موضوع شراء المستوطنات الذي يحتاج الى مقال مستقل، يعكس هذا الموقف من الاعلام اكثر من ملمح مخيف في الحالة العربية الراهنة:
اولها ينطلق من الملاحظة ان هؤلاء الذين يهاجمون الاعلام، كما في المثالين السابقين، انما يهاجمونه من الاعلام نفسه، بمعنى ان حقيقة الامر ليست التخلي عن دور الاعلام، وانما حصر هذا الدور بتأييد رأس المال والتطبيل لقراراته بصرف النظر عن صحتها اولا، وتأييد السلطة السياسية التي لم تعد في هذه الحال الا خادمة لاقتصاد السوق، وبالتالي للمستثمر بصرف النظر عن اية ثوابت او اي اعتبارات سياسية.
ثانيا: ان هذا التحول في ادوار السلطات مسألة مرتبطة بشكل جذري وعميق بالهيمنة الاميركية على المنطقة التي لا تمثل في واقع الامر الا هيمنة الشركات الكبرى الممثلة في المجمع الصناعي العسكري، ومثلها بالمشروع الشرق اوسطي الذي يحمله شيمون بيريز والذي يقيم التطبيع والتهويد على اساس الاقتصاد. مشروع يحقق كما نرى نجاحاته الكبيرة التي لا تحتاج السياسة كثيرا بل تفرض نفسها عليها.
ثالثا ان سيطرة رجال الاعمال هذه تأتي لتقيم ديكتاتورية من نوع جديد اين منها الديكتاتورية السياسية التي كنا نشكو منا، خاصة وانها تنتصب الى جانبها وتجبرها على التحالف معها ضد الناس سواء في حياتهم اليومية ولقمة عيشهم او في حياتهم الجمعية وكل ما يرتبط بها من حقوق وكرامة.
رابعا : ان هذا الواقع الجديد ما هو الا سد منيع يمنع اي تشكل ديمقراطي في المجتمعات العربية، واذا كان الرئيس الاميركي نيكسون قد ركز في خطاب استقالته على خطر المجمع الصناعي العسكري على الديمقراطية الاميركية العريقة، فكيف يصبح حال هذا الخطر على ديمقراطية عربية ما تزال حلما في خيال المناضلين؟
وبذكر الديمقراطية الاميركية، لا بد وان يقف المرء طويلا امام دور الاعلام في تكوين هذه الديمقراطية الى الحد الذي يجعل شعار علم الاتصال »ان علم الاتصال هو اميركي«، لكن عند قراءة تطور هذا العلم لدى العم سام تجد ان وسائل الاتصال انما كانت دائما في خدمة مصالح الدولة- الامة الاميركية (اقول الدولة وليس الحكومة) بل انها كانت دائما رقيبا شديدا دقيقا وقاسيا على االحكومة، كما ان تطورها قد ارتبط منذ بداية هذا القرن بامرين: حروب الولايات المتحدة خارج الحدود، والانتخابات.
في الاولى كانت جميع الدراسات، والوكالات المختصة تعمل على كيفية دفع المواطن للاشتراك في الدفاع عن مصالح الامة، لاقناعه وشحنه. وفي الثانية انصبت هذه الدراسات دائما على استطلاع تحولات وتطورات الرأي العام والتساوق معها عبر دراسة الناخب الاميركي الذي له في النهاية تقرير المصير.
ربما ان قراءة واقع العلاقة الاميركية هذه مع الاعلام، ما يأخذنا الى الجواب عن السؤال الاساسي حول عظمة اميركا وانحطاطنا.
افلم يكن من الاولى بنا ان نتعلم هذا المعنى من معاني الامركة، اذا كان لا بد لنا وان نتأمرك؟!