التقارير الديبلوماسية والصحفية الواردة من واشنطن تشير الى تنسيق اميركي فرنسي مستمر حول لبنان، تنسيق توسع ليشمل الملفين الايراني والفلسطيني دون الملف العراقي.
والسؤال الذي يتبادر اولا الى الذهن: ماذا حول لبنان؟ ولماذا استثناء العراق؟
لبنان على ما يبدو شكل فشلا غير متوقع للسياسة الاميركية الاسرائيلية، وخيبة امل غير متوقعة للسياسة الفرنسية. فالطرف الاول كان يراهن على امكانات التفجير في لبنان بعد الخروج السوري وعلى امساك الاطراف المؤيدة له بالسلطة، خاصة بعد الانتخابات البرلمانية التي وقف ساترفيلد مايسترو بارعا لها. وكانت الحسابات المذكورة تعتقد بأن تشكيل هذه الاطراف لاغلبية برلمانية سيؤدي الى تصرفها بالقرار السياسي بدون قيود.
غير ان فشل الرهان بدا من خروج المظاهرة الشعبية الهادرة التي ردت بسرعة صاعقة على تلك التي اصر الاعلام المتامرك على كونها مليونية، وعلى اغداق الاوصاف عليها ومقارنتها باوكرانيا . المظاهرة الاولى تم التنسيق لها بجهد محلي ودولي ربما يكون قد سبق اغتيال الحريري، اذ لا بد ان هناك من كانوا يعرفون بتدبير العملية، فتم استغلال الانفعال الهادر الناشىء عن الاغتيال لتجييش الناس. ولم يكن الكبت الخانق لدى شعب خرج من عقدين من الحرب الاهلية المجنونة الى سوء التصرف السوري والى ازمة اقتصادية خانقة الا ليجد في ذلك فرصة للانفجار.
اما المظاهرة الثانية فكانت شيئا اخر دون ان تكون اقل مليونية. كانت تناديا شعبيا لحماية المقاومة، وحماية الموقف السياسي اللبناني القومي والمناقض للامركة ولاسرائيل.
ببساطة، ودون تحليل المحرضات النفسية، نزل الخطان الى الشارع، وكل منهما يمثل خيارا اقليميا بل ودوليا. فكان هذا اللبنان الصغير مرة اخرى صورة مصغرة بليغة للصراع الاقليمي والدولي.
الصورة لم تكن الا لتقرأ ولتشكل هاجسا خطيرا للخطة الاميركية الفرنسية المصاغة بالعبرية… واذا كان الاعلام قد تعمد التجاهل، فان المخططين الستراتيجيين لا يفعلون ذلك اطلاقا. لذا تركز الجهد على الانتخابات، لتاتي النتائج متوافقة مع تلك الخطة، لكن مسار الانتخابات وما بعدها لم يخرج عن منطق المظاهرتين .
من جهة اخرى جاءت المعادلات الاقليمية والدولية لتخلخل الحسابات المذكورة . فكان من الطبيعي ان تربط الادارة الاميركية المجتمعة في كراوفورد تقييمها بالوضع اللبناني بالملفين الايراني والفلسطيني.
وكان من الطبيعي ايضا ان تستثني العراق، لان حساب العراق قد نزل على الفاتورة السورية، التي ناقشناها في مقالي اليومين الماضيين. ولان موضوع لبنان انما يتلخص في نزع سلاح حزب الله ونشر الجيش على الحدود.
عبارتان تتطلبان التدقيق: فليس المقصود بنزع السلاح، جمع الاسلحة الخفيفة التي يحتفظ بها كل لبناني وانما تفكيك المنظمة الصاروخية المنشورة في الجنوب، وتفكيك البنية العسكرية للحزب، بحيث يزول التهديد عن اسرائيل، خاصة الجليل الاعلى حيث تنتشر معظم المصانع الاسرائيلية.
اما نشر الجيش، فلا معنى له بذاته لان الجيش منتشر الان في الجنوب، واخر حاجز له لا يبعد عشرة امتار عن الشريط الشائك، غير ان المطلوب هو ان يقوم هذا الجيش بدور القامع المانع الذي يحمي حدود دولة الاحتلال ويتولى منع اي تهديد لبناني لها، وهنا يصر الاميركيون على ان تشارك في ذلك بالاضافة الى قوات الامم المتحدة، قوات عربية مصرية وسعودية وتشكيل كل هذه الاطراف دوريات مشتركة على الحدود. مما يعني عمليا ضمان عدم تساهل الجيش اللبناني في تطبيق الحظر الكامل، وتحميل الاطراف العربية والدولية مسؤولية اساسية في ذلك.
هكذا وبعد ان تتكفل جميع القوى بحماية اسرائيل من لبنان،ياتي دور السلام المنفرد، ويتفعل الضغط على ايران، بل وتفتح الطريق امام اسرائيل لتوجيه ضربة الى منشآتها النووية دون ان تخشى ردا صاروخيا من لبنان.