لكان لبنان يصر رغم كل شيء على الاحتفاظ بخصوصية ترفض التخلي عن سمة خاصة من الحرية، بل من ممارسة الحرية والديمقراطية.
ثمة رئة تتنفس حتى ولو كان الهواء غير صحي وغير نظيف. ثمة معرضة تتحرك داخل البلد وعلى صفحات صحفه وشاشات تلفزيوناته.
في بيروت ثمة حراك غير عادي تقوده المعارضة اللبنانية، ومن جهة اخرى ثمة حراك اخر يرد به الحكم ومن ورائه سوريا. وايا يكن التحليل السياسي لهذا الذي يحصل هناك، فان الملاحظة البديهية تظل ان هذه الحيوية المعا رضة لا تتحرك في عواصم الدول الاوروبية والاميركية، لا تعيش في المنفى، رغم وجود ميشال عون فيه.
في هذا السياق لا تشبه بيروت الا القاهرة. حيث لا يمكن لك ان تسمع في عاصمة اخرى اعلاما ينتقد وبحدة هيكل الحكم من اعلاه الى اسفله، وقوى معارضة قادرة على ان تحشد وتتكلم وتطرح مطالبها بحدة وبدون سقوف. اذ يكفيك ان تجلس ساعة امام شاشة التلفزيون المحلي كي تسمع اراء جميع اطياف المشهد السياسي حتى ولو ان خطاب تناول احدهم للاخر يفتقرالى قدر من التهذيب والهدوء. لكنه يظل على اي حال افضل من الموات العربي الاخر او من مسرحيات الديمقراطية الوهمية التي تغص بها بعض الساحات، او تلك المقّزمة تحت سقوف الاقواس الوطيئة. يكفيك، من جهة اخرى ان تتابع الاعلام المحلي، فلا تضطر الى متابعة اعلام اخر كي تسمع جميع الاراء السائدة في البلد، او تعرف ما الذي يجري فيه. فما من صوت نسمعه على الجزيرة ولا نسمعه على الشاشات اللبنانية، وما من قلم يكتب في الاخر ولا يجد مكانه على صفحات الصحف المحلية.
صحيح ان بعض اطياف المعارضة اللبنانية متهمة بعلاقات ما مع الغرب او حتى مع اسرائيل، وصحيح ان ان مراكز الحكم مرتبطة بسوريا ولكن احدا لايستطيع ان يخفي شيئا من ذلك تحت ستار صمت حديدي مفروض. كل شيء يقال وكل الارتباطات مفضوحة ومثارة، يثيرها الحديث المعارض لها، وتضطر هي للدفاع عن موقفها.
غير ان كل ذلك لا يجوز ان يقودنا ابدا الى التفاؤل، لان هذه الحيوية الخاصة هي ككل حيوية استثنائية قابلة للتحويل الى طاقة بناء كما انها قابلة للتحويل الى طاقة تدمير، والحرب الاهلية اللبنانية مثال قريب لم ينس احد جراحه بعد.