ثمة امراض تظل كامنة الى ان يقيض لها ان يضعف جهاز المناعة في الجسم فتخرج الى الوجود قوية فاعلة. او الى ان ياتي من يريد القضاء على صحة الجسم وربما حياته فيوقظها ويفعلها.
اذاعة البي بي سي، تبث برنامجا عما تسميه صفوف لغات الاقليات في العراق. وتركز على كون الجديد في هذا هذا التعليم انه يتم في مدارس الدولة لا في المدالرس الخاصة كما كان الامر سابقا. وانه انما يكفي ان يقدم خمسة وعشرون شخصا طلبا يعبرون فيه عن الرغبة في تعليم ابنائهم لغة خاصة من مثل الكردية او السريانية او الكلدانية كي يصار الى فتح صف لهذه اللغة في اية مدرسة حكومية.
للوهلة الاولى يقفز الى الشرايين حس اعتراضي : لماذا ايقاظ قصص ما يسمى بالاقليات الان وفي العراق ؟ لماذا تزاح اللغة العربية عن عرشها التوحيدي لمصلحة امارات وولايات مبعثرة مفككة ومفسخة للجسم الاجتماعي ؟
انه التقسيم الثقافي الاجتماعي الاكثر خطورة من التقسيم السياسي. بل هو وضع الجسد العراقي الحي على مشرحة الجثث واعمال المشارط فيه.
وبتحليل محسوس اكثر، ياخذ بعين الاعتبار عبر التاريخ ، ابسطها، ندرك ان هذا الاسلوب انما هو التخصص الاستعماري البريطاني تمارسه حكومة صاحبة الجلالة بامتياز تاريخي من الهند الى العالم العربي. وان قضية الاقليات هي الجرثومة التي زرعت في الجسد العربي منذ المرحلة العثمانية، لتكون اداة استعمار في تقويض اخر والحلول مكانه.
وبنظرة بسيطة الى العالم ندرك اننا لسنا الامة الوحيدة التي تتعدد اتنياتها ولغاتها، من اممم اسيا الى امم اوروبا الى- وذاك ابرز مثال – الولايات المتحدة الاميركية نفسها. وواقع الامم الاحادية اللغة او العرق لم يعد قائما الا في المجتمعات البدائية المنقرضة. من جهة اخرى فان احياء المكونات الثقافية لتاريخ الامة والمجتمع لا يشكل فقط مجرد حق لمن يدعون الانتماء الى جزئياته وانما هو حق وواجب للبلاد كلها. وبهذا المفهوم لايدخل احياء الثقافات القديمة في باب حقوق ما يسمونه بالاقليات، ولا في باب حقوق الانسان، وانمافي باب الحقوق الوطنية التاريخية، وعندها لا يكون تعليم لغة غير اللغة العربية حقا لمجموعة من المواطنين يسلخون عن واقع الوطن وثقافته وانما باب مفتوح لمن اراد الاطلاع اكثر، ايا يكن انتماؤه الديني او الاتني. في حين تظل اللغة العربية الموحدة هي اللغة الاساسية الحية الرسمية.
لكن : هل ذلك هو ما يطبق في العراق الان ؟ هل كان ذلك هو ما اضمر في لبنان عندما اقترنت الدعاوى الانعزالية التدميرية، بل والعميلة، بالهجوم على اللغة العربية وثقافتها ؟
الم يغن سعيد عقل للاحتلال الاسرائيلي كما غنى سابقا للغة هجينة تستاصل اللغة العربية ؟
ثمة اكثر من كلمة حق يراد بها باطل. والالتفاف على خطرها بل واستئصاله لا يكونان بتجاهل الواقع لا ولا بالسماح باستغلاله لتدمير حاضر الامة ومستقبلها.