ما بعد الرحيل

صحيفة الدستور، 21-12-2004

قد يبدو هذا العنوان خياليا في الوقت الحاضر عندما نعني به رحيل القوات الاميركية من العراق. وقد يبدو الامر اكثر خيالية عندما يكون المقصود هو رحيل القوات الاميركية من العراق. لكن الخيالي لا يعود كذلك عندما نتذكر التجربة المماثلة في فيتنام، وبعد عملية الموصل يوم امس. فعمليات تحصد ارواح العراقيين ولو بمئات الالاف، قد لا تحرك المجتمع الاميركي، وتحديدا الناخب الاميركي، الا قليلا وقليلا جدا، كما اثبتت الانتخابات الاخيرة. لكن موت الاميركيين لا يمكن وان يترك احدا لامباليا، هناك. عملية الامس كانت نوعية وذكية، اذ وجهت ضد عسكريين اميركيين وداخل قاعدة للاحتلال، وربما يزيد من فاعليتها تزامنها مع اطلاق سراح الصحافيين الفرنسيين كريستيان شينو وجورج مالبرونو وربط ذلك في بيان الخاطفين بسياسة فرنسا ازاء العراق. مما سيقيم المقارنة في ذهن كل متلق في الغرب الاوروبي والاميركي على حد سواء.

لكن السؤال الخطير الذي يطرح نفسه بقوة، ويكفي لتبينه متابعة التصريحات التي يدلي بها المرشحون للانتخابات العراقية، تلك التصريحات والمقابلات التي تمطرنا بها الفضائيات العربية، هو السؤال حول حال الوضع العراقي، بعد الانتخابات وحتى بعد انسحاب قوات الاحتلال؟ خاصة وان التصريحات المذكورة تثير فينا سؤالا اخر : اين كان يكمن كل هؤلاء الذين اكتشفتهم عبقرية الاعلام المتامرك بالعربية؟

فمن خطاب طائفي متشنج مجرم، ومن خطاب عرقي واضح، الى خطاب لا يخجل ابدا من اعلان ارتباطه بدولة اجنبية، كما لا يخجل من الدعوة الى تقسيم البلاد وطرح حلول فدرالية او غير فدرالية.

الملفت ايضا ان هذه البرامج التي تفتح ساحاتها لكل هذا التخريب لا تقدم الخطاب الاخر، خطاب الاكثرية التي تقاطع الانتخابات، او خطاب التوحيديين الذين يقدمون انفسهم كعراقيين لا كشيعة او كسنة، ولا كاكراد او كعجم.

كما انها لا تقدم خطاب المقاومة الا بشكل عابر عند صدور بيان يفرض نفسه بتوزيعه على الانترنت.

والنتيجة المنطقية التي لا بد وان نخرج بها جوابا على السؤال الاول هو اننا في طريقنا الى دمار ذي وجهين : فاما ان يبقى الاميركيون وتتحول البلاد الى فيتنام فعلية بحيث تتصاعد المواجهة بين قواتهم وجزء من العراقيين من جهة، والفيتكونغ العراقيين من جهة اخرى. واما ان تنسحب وتترك العراق الى ساحة حرب اهلية شرسة لا يدرك احد الى اين يمكن ان تفضي ليس بالعراق فحسب بل وبالمنطقة كلها.

كلنا نقف على فوهة بركان وعلينا ان ندرك تماما ان النجاة من الانفجار لا يمكن ان تكون بالاستمرار في سياسة النعامة التي تبدأ من خطب وتعليقات جورج بوش وتنتهي بتصريحات وممارسات المسؤولين العرب. مرورا بالادعاء المسكين بان الانتخابات العراقية ستكون عصا سحرية تحل كل المشكلة.

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون