ديون وثمن!

صحيفة الدستور، 05-12-2004

على العالم كله ان يدفع ثمن الحروب الاميركية.

على اوروبا ان تلغي الجزء الاكبر من ديونها على العراق لان هذه الديون كانت ثمنا لحربين دفع فيهما ثمن الهيمنة الاميركية على المنطقة: الاولى حربه مع ايران، وهي الحرب التي ترتبت فيها معظم هذه الديون، حرب بات من المعلوم والواضح اليوم انها لم تؤد الا الى اضعاف طرفيها لحساب مصلحة اميركية واخرى اسرائيلية. حرب لم تعرف منتصرا لان قدر المنتصر من طرفيها،كان الدمار على يد الحلف الاميركي الاسرائيلي.

والحرب الثانية هي حربه المباشرة التي رزح تحتها طوال الاثني عشر عاما، هما عمر تركيز السيطرة الاميركية الكاملة، وسحق الارادة العربية سحقا كليا، وتطويق الوضع الايراني من كل الجهات.

من زاوية اخرى لا يعني نجاح هذا المخطط الا اعادة اوروبا الى الصف الخلفي في العلاقة مع المنطقة وبالتالي في وضعها على الساحة الدولية. وبذا تكون هي من ساعد اميركا على ضخ الوقود في شرايين الحرب الاولى، وهي من خسر الحرب الثانية مع العرب وككل خاسر، يفرض عليها ان تدفع.

قياسا بذلك يقرا التوجه القائم الان نحو الغاء الديون العربية على العراق. فاذا كان سقوط العراق قد اضعف اوروبا، فانه سقوط كامل للعرب، من محيطهم الى خليجهم، واذا كان على اوروربا المهزومة جزئيا ان تلغي جزءا من ديونها، فان على العرب المهزومين كليا ان يلغوا جميع ديونهم.

بل لعل الامر الاكثر دلالة ورمزية في هذا السياق هو تصريح مندوبي الاميركيين في الحكومة الموقتة، بانه ما من سند قانوني لحقيقة الديون السعودية والكويتية. انكار الوجود ينسحب على الديون وينسحب على اصحابها، فكيف يعترف بقانونية ديونك من لا يعترف بقانونية وجودك كله ؟

ربما لو جاء هذا الالغاء قبل سنين، لقيل ان في ذلك خيرا، لانه قد يؤدي الى تخفيف اعباء العراق المحاصر المحتاج. ولقيل ان من حق العراقيين وقد دفعوا دماء ابنائهم في حرب العرب، وتحديدا عرب الخليج، مع ايران، الا يدفعوا فوقها مصاريف الحرب وحدهم.

لكن الامر الان مختلف، فما يلغى، انما يحصل لحساب الاميركيين، ولحساب بعض المتعاونين معهم، ولن يستفيد منه العراقيون في شيء، بل انه سيستعمل لخنقهم وسحق مقاومتهم وتدمير مدنهم وابادة اهلها. باختصار لتكريس الاحتلال فوق صدورهم، ولتسهيل سرقتهم عليه. كما سيستعمل لافقار دول الخليج وخاصة العربية السعودية وتكبيلها بوضع اقتصادي متدهور، هي التي تلتزم ازاء اميركا والغرب بمليارات مماثلة من الديون، لن تجرؤ يوما على المطالبة بالغائها، حتى ولا بمجرد القول اذا كان علينا ان نلغي ديون العراق لانه دافع عنا، وعن مصالحنا، فان ديونكم علينا ان هي الا ثمن الدفاع عن مصالحكم.

خمسون مليار دولار دفعتها العربية السعودية في حرب عام 1991، لتعقبها السلسلة الطويلة من صفقات الاسلحة ومن تكاليف الجنود الاميركيين على ارض الحجاز ونجد مليارات قبلها في حرب العراق – ايران، ومليارت تفوقها من الخزينة الكويتية، تضاف اليها مساهمات مليونية اخرى من هنا وهناك.

ترى اي ارتقاء حضاري كان من الممكن ان تصنعه هذه المبالغ لو انفقت على التنمية؟

ولماذا يكون الغاؤها الان هدرا اخر لثروات العرب، يؤجل طويلا عملية التنمية ؟

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون