اوكرانيا وحلم الامركة!

صحيفة الدستور، 28-12-2004

هل كان حلم الديمقراطية هو ما حرك الاوكرانيين ، ام حلم الاوربة ؟

طويلا حلم الغرب بالشرق مصدر وحي وسحر وثراء ، وها هو الوقت قد جاء ليحلم الشرق العائد من الاشتراكية بالغرب الاوروبي والاميركي.

اجل انه حلم الهامبرغر والماكدونالدز ، حلم الحياة الرخية الموعودة ، والحريات  المفقودة ، بل وحلم البديل اي بديل ، الاخر اي اخر ، ازاء وضع مترد من تضييق وفساد وعزل.

لكن الحلم غير الواقع ، وما وجدته دول اوروبا الشرقية التي تهالكت على الخلاص من الاشتراكية ، جعلها الان تندم على ايام مضت من استقرار وامان اقتصادي واجتماعي.

الفساد والفقر والقمع في رومانيا اليوم لا يقارن باي حال بالوضع الذي كان عليه الحال ايام شاوشيسكو ، والظروف التي تعيشها المجر تجعل الماضي حلما مستعادا ، اما يوغوسلافيا الممزقة بالحرب المدمرة ، بالفقر ، وبكل انواع الدمار المادي والمعنوي ، فليست تلك التي كان يقودها جوزيف روز تيتو.

حتى روسيا  التي يحاول بوتين ان يعيد اليهاشيئا من هيبتها الدولية ، وان ينتزعها بصعوبة بالغة من انياب المافياوات  المحلية ، الدولية واليهودية ، ما تزال بعيدة كثيرا عن روسيا خروتشيف او كوسيغين.

فلماذا افضى الصراع بين الشرق والغرب الى هذه النتيجة الماساوية للاول والى هذا الانتصار الساحق للثاني ؟

ومن جهة ثانية ، اين اصبح موقع الصراع الدولي على  قيادة العالم بعد هذه المعادلة ؟

على السؤال الاول ، تتقدم الاجابات عديدة ، لكن في مقدمتها اثنين مختلفي المصدر : الاول ان الانغلاق ، ومصادرة الحريات لا تؤدي باية تجربة الا الىالفشل ، فابنك الذي تعطيه كل شيء وتؤمن له كل شيء ، وتحميه من كل شيء ، لا يكون قانعا وراضيا اذا لم تعطه حريته ، ولم تدفعه الى التعرض لمعرفة الاخرين كي يتمكن ان يقارن ويكتشف انه في نعمة.

والثاني ، ان دفع الثقافة الاستهلاكية وقيمها ، المنبثقة من الرؤية المادية المنفعية للكون ، لم يكن من شانه الا وان يغذي  لدى كل فرد حلم الالتحاق بالركب الاستهلاكي الغربي الذي تصبح فيه الحياة  الاميركية نموذجا.

يضاف الى هذين السببين ، سبب اخر اجرائي ، الا وهو دور وسائل الاعلام والاتصال  ، التي لا تقتصر على الصحافة فحسب ، على تسويق  هذا النمط ، وتصويره على انه جنة الله علىالارض. دور لم تكن وسائل الاعلام الاخرى بقادرة على مواكبته  وتحديه.

اما السؤال الثاني ، الذي يدور حول انتقال الصراعات ، فانما يجد جوابه السريع في تحول المواجهة على الساحة الغربية والدولية ، بين ولايات متحدة مصرة على الاستمرار في الهيمنة الاحادية على العالم ، واوروبا مصرة بدورها على  تحصيل استقلالية تضعها في صف الشراكة لا في صف التابع. مواجهة تحاول الدوائر الاميركية ان تحسمها على عدة جبهات ، من اليورو الى الاطلسي ، ولكنها انما تعمل على حسمها بشكل اساسي  بحصان طروادة تشكله هذه الدول العائدة من الاشتراكية ، بردة فعل جاهلة وهوجاء تجعل توقها الاساسي هو الارتماء في ذيل التنورة الاميركية.

وبذا يصبح انتصار اوكرانيا انتصارا اميركيا ، على روسيا اولا ، وعلى اوروبا ثانيا.

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون