هنا في الفلوجة حقق الاميركيون نجاحا عسكريا لكنه نجاح مؤقت قد يمتد وقد ينقلب الى عكسه. لكن،هناك بعيدا في اوروبا حققت السياسة الاميركية- الصهيونية نجاحا سياسيا قد تكون له انعكاساته البعيدة المدى ليس على الساحة الاوروبية فحسب وانما على امتداد العالم، وبشكل خاص على ساحتنا العربية، سواء في الشأن العراقي ام في الشأن الفلسطيني، ام في سائر القضايا العربية.
هذا النجاح يتمثل في وصول نيقولا ساركوزي الى رئاسة حزب حركة الوحدة الشعبية، اي حزب الرئيس جاك شيراك. فمنذ اشهر طويلة تدور رحى معركة حامية بين الخط الشيراكي الذي يلي الرئيس شيراك في قيادته كل من الان جوبيه وجان بيير رافاران ودومينيك دو فيللوبان، والخط الاخر الذي قفز الى قيادته بشكل صاروخي نيقولا ساركوزي.
واذ كانت سياسة الخط الاول قائمة كما هو معروف وواضح، على مبدأ الاستقلالية الاوروبية عن الولايات المتحدة الاميركية على الساحة الدولية، ولاجل ذلك على التحالف المتين مع المانيا، وبالتالي روسيا، اما بالنسبة لنا نحن فان هذه السياسة قائمة على المبدأ الديغولي القائل بالتوازن بين اسرائيل والدول العربية ( وذاك ما اعتبرته اسرائيل دائما انحيازا للعرب)، كما على معارضة الوجود الاميركي في العراق، وبالتالي معارضة تورط حلف شمالي الاطلسي وتورط المجموعة الاوروبية عسكريا لمساعدة الاميركيين هناك . فان السياسة التي يعتمدها خط ساركوزي ليست خفية على من يتابعها، فالوزير الشاب الصاعد نحو الاليزيه لا يخفي انحيازه للخط الاطلسي، للولايات المتحدة ولاسرائيل، اما بخصوص سياسته الاوروبية فقد كان يؤكد على انه غير متحمس للتحالف الفرنسي الالماني، وسيعمل على استبداله بالتحالف الفرنسي الايطالي . مما يعني بالتالي موقفا محددا من روسيا بوتين . وموقفا اخر بالمقابل من دول اوروبا الشرقية التي ينتمي اليها ساركوزي، وهو ابن مهاجر .
لذا بدا معركته الانتخابية بزيارة اولى للولايات المتحدة، استهلها بلقاء مع الايباك، ومن ثم استقبل قي البيت الابيض استقبال الرؤساء وهو لم يزل بعد وزيرا عاديا . بعدها عاد في زيارة ثانية اكد فيها في اكثر من محاضرة ولقاء على امركته .
في هذا الوقت وقبله كانت المعركة طاحنة في داخل اليمين الفرنسي . حيث كان شيراك قد هيأ خلافته بشكل حاسم بشخص الان جوبيه الابن الروحي للخط الشيراكي، والزعيم الذي استطاع ان يوحد احزاب اليمين المعتدل . لذا كان لا بد كي يتمكن ساركوزي من التقدم، من ازاحة جوبيه، وهذا ما حصل عبر المحاكم في قضية بسيطة تم تضخيمها الى ان ابعدته عن الساحة السياسية نهائيا . وعلق الجميع بان هذه المحاكمة ان هي الا محاكمة شيراك نفسه وضربة قاصمة لخطه السياسي .
بعد جوبيه رفع اليمين شعار: »كل شيء الا الانقسام«، وللمصادفة كانت الاحرف الاولى لهذا الشعار قابلة لان تحولها الصحافة الكاريكاتورية الى تاويل اخر »كل شيء الا ساركوزي« على اعتبار انه شعار الرئيس.
لكن البديل كان صعبا، فرافاران لا يتمتع بالشعبية ولا بالكاريزما اللازمتين، ودومينيك دو فيللوبان ما يزال غير مؤهل بما يكفي رغم الاحترام الكبير الذي يحظى به لدى الناس خاصة بعد ادائه الراقي كوزير للخارجية، لكنه لم يشغل مناصب قريبة من الناس، قرب يفتقر اليه ايضا بطبيعته كمثقف عال، وارستقراطي مرهف .
لذا عمد الرئيس الى تعيينه وزيرا للداخلية، وعملت ماكينته الاعلامية على اعطائه وجها اكثر شعبية .
غير ان ساركوزي كان يتقدم كالمجنزرة مدعوما اميركيا، ويهوديا، ومدعوما ايضا بردة فعل جمهور اليمين على الهزيمة التي مني بها في الانتخابات المحلية الاخيرة، مما اعتبر هزيمة لسياسة حكومة رافاران على الصعيد الداخلي وبالتالي فشلا للطاقم القديم كله . احساس جاءت الازمة الاقتصادية لتعززه، كما عززته ايضا سلسلة من الازمات السياسية الداخلية ليست قضية الحجاب بأقلها.
وقضية الحجاب ليست المثال الوحيد الذي ساهم فيه العرب في اضعاف خط جاك شيراك، وتقليص قاعدته الانتخابية، و رغم ان ساركوزي كان وراء تفجيرها لكنه انسحب تاركا لعناتها تنصب على رأس الرئيس.
الان وقد اصبح ساركوزي على رأس الحزب، فانه يتقدم باتجاه الاليزيه، الا اذا كانت رئاسته للحزب- كما يتوقع البعض- ابعادا له عن رئاسة التشكيلة الوزارية المقبلة، وتكليف دومينيك دو فيللوبان بها تمهيدا لترشيحه للرئاسة .او اذا خاطر شيراك نفسه بترشيح نفسه للمرة الثالثة، وفي كل هذه الحالات الثلاث، لن يكون حظ اليمين في الفوز برئاسة الجمهورية كبيرا، وربما سيكون الرئيس السادس للجمهورية الخامسة اشتراكيا لا يختلف عن ساركوزي في امركته واسرلته وان اختلف عنه في برنامحه الداخلي.