السي ان ان الفرنسية…

صحيفة الدستور، 13-12-2004

في العام 2005 ستطلق فرنسا محطتها الفضائية المشابهة للسي ان ان . هذا الحلم الغالي على قلب جاك شيراك هو ما اعنت الحكومة اول امس انها ستخصص ثلاثين مليون يورو لاطلاقه في العام القادم . الميزانية المقترحة تبدو متواضعة نسبيا ولكن النظر اليها من زاوية الوضع الاقتصادي المتأزم في فرنسا، وعجز الميزانية الذي حاولت حكومة جان بيير رافاران تجاوزه في العام 2004 فلم تنجح الا نسبيا، يجعلنا نفهم الاهمية التي تعلقها باريس والسياسة الشيراكية بشكل خاص على الاعلام وعلى ايصال صوت فرنسا الى العالم، خاصة الى الدول الفرانكوفونية، من اوروبا الى الى اسيا الى اميركا اللاتينية . مواقف السياسة الفرنسية في عهد اليمين المعتدل تجعلنا نشعر، للوهلة الاولى، بالرضى عن نزول اعلام عالمي غير الاعلام الاميركي الى الساحة . رضى لا ينجم فقط عن انتهاج هذه السياسة معروفا ازاء فلسطين والعراق، وانما ايضا من طبيعة الرؤية السياسية للفريق الحاكم، سواء بشأن التنمية المستدامة، ام بشأن احترام الخصوصيات الثقافية للشعوب، ام بشأن النظرة المتوازنة لقضايا العولمة والسوق . وباختصار من حيث طبيعة سلم القيم المتحكم بهذه الرؤية .كما ان جانبا من هذا الرضى يكمن في الارتياح لوجود تعدد في الخطاب الموجه الى المتلقي، مما قد يساعد في عملية المقارنة التي ربما تقود الى وعي اكثر بالحقيقة، او على الاقل تنشىء حالة من التوازن النسبي مع الخطاب الاميركي العولمي السائد .

لكن ذلك الرضى لا يلبث ان ينزاح عن اشارة تنبيه مهمة: اشارة لا تنبع من البديهية التي تقول ان هذه الفضائية لن تكون الا عملا في خدمة الثقافة الفرنسية والمصالح الفرنسية . فهذه بديهية محتومة وطبيعية، والرهان عندها على المتعاملين مع هذه الثقافة وهذه المصالح ، اذا عرفوا ان ينتقوا ويتفاعلوا او اذا لم يعرفوا الا ان يرفضوا او يتبعوا . لان الثقافات تتلاقح والمصالح تلتقي هنا وتتباعد هناك وتتناقض هنالك …اذا كان الطرفان متكافئين ناضجين يحترم كل منهما نفسه والاخر .

وهنا يبرز السؤال: هل نحن فعلا في حالة التوازن هذه؟ هل نحن قادرون على ان نحاكم ما يرمى على عقولنا ومشاعرنا ، بحيث لانرفضه كله ولا نأخذه كله؟

سؤال يطرح اشكالية حضارية كبرى لا تقتصر على هذا الحدث الاعلامي الجزئي . ويقودنا الى اشارة التنبيه الخطيرة التي قصدت وهي النابعة من واقع سيطرة مراكز القوى اليهودية على مفاصل كبيرة في الاعلام التلفزيوني الفرنسي ، وهو ما لا ندري كيف سيكون انعكاسه علينا .

طبيعي ان السيطرة المذكورة هي اكثر خطورة في الاعلام الاميركي الذي نتعرض له يوميا، لكن عامل المقاومة النفسية ازاء اعلام فرنسي قد يكون اقل بفعل توازن سياسة الحكم الحالي . حكم قد لا يكون له حظ العودة الى السلطة في الانتخابات القادمة لمصلحة قوى متأمركة معولمة ومتصهينة . دون ان يعني الامر غيابه عن الساحة السياسية والاعلامية، واستمراره في الصراع على تلك الساحة التي نمتلك عليها احتياطيا بشريا استثنائيا ـ واحتياطيا تاريخيا استثنائيا . فكيف نفعلهما؟

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون