مرة تكون الكلمات مسمارا، ومرة سيلا، مرة رغوة صابون، ومرة غبارا.
وراء غبار الكلمات، الغبار الذي اثارته تصريحات سهى عرفات والغبار الذي تثيره التعليقات المتدفقة عليها، وراء الغبار كله تتم الجرائم الرهيبة التي ينشغل الناس ولو جزئيا عنها.
هذا الصباح افتح التلفزيون لاتابع الاخبار واقوال الصحف، فاذا اقتحام الفلوجة لايذكر الا بعد ربع ساعة من الحديث عن التصريحات والتصريحات المضادة. واذا الحديث الاخر المركزي عما يرتب للقضية الفلسطينية مع غياب الرئيس الرمز، غائب تماما. لا احد يتحدث عما تهيئه جميع الاطراف المتواطئة مع المايسترو الصهيوني لفلسطين ومن ثم للامة العربية في المرحلة القادمة… بل ان نعت القادمة غير دقيق لانها مرحلة حالية بدأت وتسري من تحت اقدامنا ووراء ظهورنا كما الماء، بينما ننشغل نحن بمهاترات اربعين علي بابا.
من كان يعبد محمدا فان محمدا قد مات… مات لان الموت قدر كل حي، لا تحميه منه سلطة ولا مال. لكن القضية باقية والشعب باق، فما الذي سيحصل لهما ؟
هل يمكن ان يتخيل عاقل ان اسرائيل والولايات المتحدة لم ترتبا بعد
امور ما بعد الرئيس الذي كان موعد موته شبه معروف، بدليل حديث الاعلام الغربي عن جنازته منذ اشهر ؟
هل يعقل ان اختيار فرنسا منفى ومكان موت للرئيس المنازع جاء عن طريق الصدفة، او لمجرد وجود زوجته هناك؟ ولماذا تركها الاشاوس الذين يلحقون بها الان جماعة، تحمله الى هناك ؟ لماذا لم يصروا على بقائه ليدفن في القدس كما وصيته ؟ لماذا حرمت القضية الفلسطينية من هذه الفرصة التاريخية التي لا تكرر بالنسبة لتاكيد حقهم في المدينة المقدسة؟ هل استبدل المعنى الرمزي لذلك الدفن بمعنى رمزي اخر هو دفن مسألة القدس مع دفن الرئيس الذي سجل لنفسه افضل موقف في تاريخه عندما رفض ان يتنازل عن حق شعبه فيها في كامب ديفيد ؟
يومها قال ابو عمار لبيل كلينتون الذي طالبه بذلك التنازل : »هل تستعجل المسير في جنازتي«؟
فقال له الاخرون في سرهم : »ان تنازلت مت سريعا وبيد اهلك، وان لم تتنازل ستموت بطيئا وبيدنا، ليظل شأن موتك هو الرهان على المدينة المقدسة اولا وعلى القضية كلها ثانيا«.
هل يعقل ان الحديث المعلن عن ترتيبات جنازة الرجل، لم يكن مبطنا بالعمل الدؤوب على ترتيبات جنازة القضية؟
لا نقول ذلك وفي الذهن اطلاقا ان قضية شعب تموت بموت قائدها فقد مات نور الدين يوما ليعقبه صلاح الدين، ومات الرسول لتعقبه الدولة العربية الاسلامية، ومات لينين لتنشا امبراطورية الاتحاد السوفييتي.
لكن!! هل تصح المقارنات هذه؟ وهل تؤدي بنا الا الى المزيد من الاحباط واليأس؟
ربما لا، ولكن المقارنة الاخرى التي تطرح نفسها هي مقارنة صمود وتضحيات الشعب الفلسطيني، بصمود وتضحيات اي شعب اخر مقاوم في التاريخ؟ هنا نجد الاحباط يخلي مكانه للثقة والياس للامل، على الا نشغل انفسنا بصراخ امراة تحاول الحصول من زوجها على ارقام الحسابات المصرفية التي جمعت فيها اموال عربية قدمت لدعم شعب من المناضلين والاسرى والشهداء، من الارامل والايتام. وتهافت الاخرين على الرد عليها بصراخ اشد، يتعالى غباره من كل حدب وصوب، ويوظفه الاعلام لحجب جريمة الفلوجة وجريمة اخرى تحاك للقضية الفلسطينية. تفاصيل جريمة ان هي الا واحدة، واحدة في المخطط الاميركي الصهيوني وواحدة في الواقع القومي.