»أهلا يا راجح الكذبة اللي خلفا راح نتخبى«.
من منا لا يذكر هذه العبارة المغناة؟ ولكن هل كانت فيروز او مستمعوها ليتخيلوا يوما بأن قصة راجح الضيعة البسيطة، القصة الملفقة التي تستغل لبعض سرقة او بعض تعد ستصبح يوما نموذجا لقصة يختبأ وراءها لتدمير بلد وناس وحضارة.
راجح اصبح اسمه ابومصعب الزرقاوي، وهذا الرجل يتحرك بتناغم عجيب مع مقتضيات الخطة الاميركية للقضاء على المقاومة العراقية. بالامس كان الزرقاوي في الفلوجة وركبت القصة كتبرير عالمي للقضاء على المدينة المجاهدة، ولتفجير الحقد الذي يحمله ضدها الاستعمار الغربي منذ ثورة العشرينات، يوم استطاعت ان تذل الانكليز ليكتب عنها معروف الرصافي قصيدة عنوانها »الفلوجة البطلة« تنطبق كل كلمة فيها على الحاضر وكأنها كتبت للتو.
واليوم يقول الاعلام الاميركي ان الزرقاوي قد انتقل الى الموصل، اذن فالدور القادم على المدينة الشمالية التي فعلت مقاومتها خلال محاصرة الفلوجة لتخفيف الضغط على شقيقتها سامراء، ثم الفلوجة، فمتى سيبدأ حصار الموصل مقدمة لتدميرها؟
اي جنون هذا الذي يحصل؟ بل أي موت؟
جنون اكبر من جنون الحقد الاميركي اليهودي، وموت اكبر من موت اهل الفلوجة بالمئات. جنون هذا العالم العربي الذي لا يدرك ان الدبابات الزاحفة على مدن العراق انما تجرف طريق موته ومستقبله، وموت ردات الفعل الشعبية على جريمة قد يصح ان نقول فيها انها جريمة العصر.
هذا الهولوكوست العراقي، الى متى سنظل ساكتين عنه؟
الى متى سنشهد على شاشات التلفزيون جمع الجثث بالمئات من شوارع مدينة اصرت على ان تتشبث بتراث عربي تخلينا عنه، تراث الكرامة؟
هل اعتدنا الموت في فلسطين أساسا وفي كل ساحات الحروب على الارض العربية، حتى اصبحنا معدومي الحس ازاء موتنا؟
هل كان لشريط الموت اليومي المعروض على الفضائيات العربية امامنا دوره في هذا التعويد؟
هل خرسنا عن مخاطبة جماهيرنا لتحفيزها وعن مخاطبة العالم لتحميله مسؤولياته ازاء هولاكو الجديد؟
وهل ما يجري في العراق مجرد خطة احتلال اميركي جاء طامعا، ام هي فصول خطة تهويد صهيوني يقضي بتدمير كل شيء »ابسلوا كل نسمة حية!!«.
تلك الجثث المتعفنة في الفلوجة ان هي الا جثث احياء، فهل نحن الا مجرد احياء جثث؟؟؟