عناصر اللحمة!!…

صحيفة الدستور، 13-11-2004

استكمالا لجولة الامس مع كتاب » ماد ان يو اس اي – نظرة على الحضارة الاميركية « حيث قادنا المؤلف الى مساحات التحريف والتشويه التي الحقتها هذه الحضارة بالديانة المسيحية، بحيث جعلت منها، لدى الكثير من الطوائف التي يقرب بعضها من البدع الغريبة، مسيحية اميركية لا علاقة لها بالمسيحية الاصلية، بل انها اقرب الى اليهودية. ننتقل اليوم الى قضية هامة اخرى تتعلق هذه المرة باليهودية.

يستعرض الكاتب اوضاع اليهود الاميركيين، والتحولات التي اجروها ايضا على ايمانهم الديني وتطبيقاته الشرعية، بحيث ابتعدوا بدورهم عن السياق اليهودي التقليدي في كثير من الامور، وينتهي الى ان يصنفهم الى ما يسميه : » ثلاثة عوالم « غير انه ينتقل الى توضيح ان ما يوحد هذه العوالم الثلاث يتمثل بدوره في ثلاث : دعم دولة اسرائيل، ذكرى الهولوكوست، وادعاء اللاسامية.

وعليه يمضي في تفصيل العلاقة العضوية بين المجموعة اليهودية ودولة اسرائيل، علاقة تجاوزت اتباع اليهودية انفسهم لتنتقل الى معظم الاميركيين، عن طريق كنائسهم التي هودت بدورها، كما انها علاقة تجد سندا قويا لها في التشابه القوي بين طريقة نشوء الدولة الاميركية وطريقة نشوء الدولة العبرية.مما يشكل على حد تعبيره » هوس بعض الانجيليين في التماهي مع الشعب العبري «.

غير ان الكاتب يتجاهل واقعا اخر وهو واقع المسيحيين غير المهودين او غير المتصهينين، وهؤلاء لهم كنائسهم واعدادهم، وهم يناضلون ضد التيار الاخر، ليس فقط في صفوف المسيحية الكاثوليكية، وانما ايضا في صفوف البروتستانتية نفسها. وابرز مثال على ذلك الكنيسة المشيخية التي اتخذت هذه السنة قرارات هائلة حول مقاطعة اسرائيل بسبب قمع الانتفاضة، وهي قرارات تاتي في خط دعمها الدائم للقضية الفلسطينية وسعيها الدؤوب لارساء جو من حوار الحضارات بدلا من صدامها، عبر علاقات ممتازة مع المؤسسات الاسلامية في اميركا ومع العالمين العربي والاسلامي ( اتباع هذه الكنيسة يتجاوزون الخمسة ملايين )

اما عنصر اللحمة الثاني بين اليهود فهو ذكرى الهولوكوست، ودون ان يجرؤ الكاتب على القول بان هذه الذكرى مفتعلة ومبالغ فيها،( لان القوانين الفرنسية تمنعه من قول ذلك ) فانه يشير الى انتشار متاحف الهولوكوست في كل المدن الاميركية، والى الحملات الاعلامية المستمرة التي ترسخ تلك الفكرة.

واخيرا ياتي عنصر اللاسامية حيث يقول » اضافة الى دعم اسرائيل فان اللاسامية – حقيقية كانت ام مرسومة مفتعلة – هي التي تساهم في وحدة ولحمة العوالم اليهودية الثلاثة.

بهذا يتم القاء ضوء اضافي على مسلسل الاحداث اللاسامية الذي تم حبكه هذه السنة في فرنسا، بحيث لم يمض شهر دون ان نسمع عن حادثة، ليتبين فيما بعد انها مفتعلة وكاذبة، ولكن بعد ان تكون قد ادت وظيفتها.

ولم يكن اختيار فرنسا من قبيل الصدفة لعدة عوامل منها ان ربط معاداة السامية بمعاداة الامركة يسهل امورا كثيرة، نموذجها قانون مكافحة اللاسامية الذي اقره الكونغرس الاميركي، ليصبح سيفا يهوديا مسلطا على رؤوسنا جميعا.

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون