تقاطعات!!

صحيفة الدستور، 13-10-2004

غريبة هي التقاطعات التي تواجهني هذا الصباح!!

احاول ان اكتب وتلح على ذهني صرخة المتنبي »عيد باية حل عدت يا عيد«، ازيحها جانبا لتقليديتها اولا، ولان هذا العيد لم يعد علينا باسوا مما كان عليه سابقه، كما كان الحال مع ابي الطيب. لم يكن عامنا السابق مع سيف الدولة وزوده عن الثغور، وليس كوافير (جمع كافور الاخشيدي) عامنا الحالي الا سود الوجوه التي تطل علينا منذ اعوام السواد العربي الطويل.

غير ان العيد ليس وحده من ايقظ في خاطري روح المتنبي، بل كتاب اعكف على قراءته منذ ايام هو سيرة الملك فريديريك الكبير، المؤسس الحقيقي لالمانيا قبل بيسمارك.

كان هذا الملك كبيرا لاسباب كثيرة، منها السياسي ومنها العسكري ومنها الفكري الثقافي، فهو العسكري الصلب والمثابر وهو السياسي المحنك وهو الفيلسوف والموسيقي والشاعر، وهو لذلك من عمل على ان يجمع في بلاطه كبار اوروبا في هذه المجالات، وفي مقدمتهم فولتير.

علاقة فريديريك بفولتير تشبه حد التماهي علاقة سيف الدولة بالمتنبي، ليس فقط في الصلة الفكرية الطويلة بين امير ومبدع يرى كل واحد منهما في الاخر تجسد حلمه في السلطة او في الابداع. بل وايضا في التارجح المستمر بين كفتي الميزان اللتين تحملان كلا منهما. ثمة اعجاب وتعلق كبيرين ولكن: من هو الاهم الامير ام المبدع؟

فريديريك يتلمس لدى فولتير صورته كامير مستنير وشهادة امام كل العالم، وفولتير يتلمس لدى فريدريك دورا مؤثرا لم يستطع ان يحققه في بلاط فرساي.تماما كما كان الحال بين امير حلب والشاعر القادم من بغداد.

في هذا التارجح يجد الحاسدون فرصتهم للايقاع وينجحون ويغادر فولتير شبه هارب مرسلا قصائد الاعتذار والحنين ويتعرض الى قطاع طريق يتقصدونه. لكنه لا يخسر حياته على يدهم كما المتنبي، لان من ارسلهم كان الملك نفسه، بهدف استعادة اوراق سرية.

جانب اخر طريف في هذا التشابه هو مشاعر ما تشد فولتير الى اخت فريدريك. لكنه الحب المستحيل العاجز امام اسوار القصور.

لا ادري ما اذا كان يصح ان نضيف الى هذا التشابه بين ثنائي فريدريك فولتير والمتنبي سيف الدولة، ثنائيا اخر هو ياسر عرفات محمود درويش، رغم الاختلافات التفصيلية، ولا ادري بالتالي ما اذا كانت عبارة فريدريك الشهيرة »اذا كان الانسان عاجزا عن اكتناه اسرار وجوده. فان الواجب هو ما يعطي معنى لهذا الوجود« هي ما جعل الموضوع يلح علي مع اقتران العيد برحيل ابو عمار.

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون