الجنازة!

صحيفة الدستور، 13-11-2004

انسحاب الحزب الاسلامي العراقي مما يسمى بالحكومة المؤقتة يجعل كفتي الميزان تتأرجحان بين السلبي والايجابي من النتائج.

ايجابيا لا يمكن الا وان يكون ايجابيا اي انسحاب من التشكيلة التي تسمي نفسها، او يسميها الاحتلال: العملية السياسية، لانه يعزز خيار المقاومة من جهة، ويقطع الطريق على منح الاحتلال والمتعاونين معه مشروعية يستغلها على الساحات المحلية والعربية والدولية. صحيح انها تظل مشروعية كاذبة حتى ولو وافق عليها من وافق وايا يكن حجمه، ذاك ان حقوق الوطن وسيادته ملك لاجياله كلها في تعاقبها ولا يغير من حقيقتها شيئا وجود كم من العملاء في مرحلة ما من مراحل الانحطاط او البلبلة. لكن كونها كاذبة ووهمية لا يمنع الذين يريدون قناعا وتبريرا لخياناتهم او لتواطؤهم من ارتدائها وارتكاب الجرائم من تحتها، محليا وعربيا ودوليا.

لذا فان كل انحياز الى خيار المقاومة، باسم الفلوجة او النجف او سامراء، لا فرق، هو انحياز لمستقبل وكرامة وحرية العراق. وبذلك تكون معركة الفلوجة قد انتجت، قبل ان تنتهي، اكلها السياسي الذي بدت اول بشائره في عملية الانسحاب هذه، والتي تترافق، دون شك، مع تململ لدى اطراف اخرى على الساحة. تململ سيعززه ايضا اشتعال سائر المناطق العراقية بوجه الاحتلال وعملائه.

غير ان هذه الايجابيات الحتمية لا تلغي الحذر الواجب من سلبية لا تقل خطرا عن الاحتلال ( وهي متلازمة معه وأحد بنود مشروعه ) الا وهي سلبية فرز الساحة العراقية طائفيا، وبتعبير مباشر فرز الشارع السني عن الشارع الشيعي، ليبدو وكأن الاول بات كله في صف مقاومة الاحتلال في حين ان الثاني كله في صف ممالاته او التعاون معه. واذا كان ثمة من لا يتشاءم من ذلك باعتبار ان الفرز مستحيل على الصعيد الشعبي، فان الجواب هو في ان خروج اكثرية الناس عن دائرة الفرز الطائفي المرسومة لا يستطيع ان يلغي الشرخ الذي تستطيع القيادات السياسية والدينية والميليشياوية فرضه. فهل استطاعت كل مواقف المناضلين اللبنانيين المنتمين دينيا الى الطوائف المسيحية بل والمارونية، ان تلغي الطابع السياسي المعين الذي فرضته القيادات الثلاث المذكورة على الحرب اللبنانية، رغم ان هذه الاخيرة لم تكن تمثل في بداية الحرب الا اقلية في صفوف المسيحيين انفسهم؟ وهل تمكن المقارنة بين فاعلية الواعين العاملين على مقاومة مشاريع التدمير وبين فاعلية المستغلين القادرين على الحك على جرب العامة، على استغلال جهلها، على استثارة مكبوتها وعقدها، ومصالحها الفردية الصغيرة وحاجتها لاثبات الذات، في غياب تبلور واضح للذات العامة، و حقوق الانسان والمواطن في اطارها.

لذا فان خطورة الانزلاق نحو واقع تقسيمي عراقي لا ينتج عنه الا الشلل وضياع القدرة الوطنية، هو خطر محدق يتقدم بسرعة وبخطى ثابتة، وليس تجاهله الا من باب سياسة النعامة.

خطر لا يمكن الالتفاف عليه الا بوسيلتين : السعي باية طريقة وبالحاح الى اجتذاب التيارالصدري الى جبهة وطنية مقاومة تشكل المعادل الموضوعي للمتعاونين.

ابراز دور وحضور المقاومة القومية والبعثية التي تتشكل صفوفها من مختلف الطوائف والاعراق المكونة للشعب العراقي.

امام هذه الحاجة الملحة الاخيرة، هذه الضرورة الوطنية المصيرية، يطرح السؤال: لماذا يصر الاعلام على تجاهل هذا الخط من خطوط المقاومة وعلى تثبيت الصفة الطائفية، سنية او شيعية عند الكلام عن الفصائل السياسية والمقاومة؟ المقاومة الاسلامية موجودة ولها الحق في التعبير، لكن المقاومة القومية والوطنية موجودة ايضا فلماذا يحجب وجهها ؟

القصة ليست قصة فصائل او فئات، انها قصة الشرخ او اللحمة، التجزئة او الوحدة، داخل خيار المقاومة.

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون