من ستة اشهر يتحدث الاعلام الفرنسي عن الجنازة. في المرة الاولى كنا في مقهى عربي وفوجئنا بالحديث التلفزيوني عن الجدل حول جنازة الرئيس الفلسطيني، اعتقدنا انه قد مات، واتصلنا هاتفيا بالارض المحتلة، فقيل لنا ان لا شيء من ذلك وان الرئيس بصحة جيدة. بعدها بفترة قصيرة عاد التلفزيون مرة اخرى الى الحديث نفسه، وكان لابد للمراقب من ان يفهم من ذلك ان ثمة معلومات عن صحة ياسر عرفات، وثمة دور لفرنسا، وان الامر المحوري انما يتعلق بالجنازة.
لم يكن موت الرئيس بحد ذاته محور الاهتمام، وانماالجنازة تحديدا.
وقبل ثلاثة اسابيع من الان عاد الحديث الى التلفزيون، وتحديدا الى القناة الثانية المعروفة بقوة اللوبي اليهودي المؤيد لاسرائيل داخلها، وهذه المرة كان الامر اشد وضوحا، حيث ناقش التقرير وبوضوح، قضية جنازة الرئيس ووصيته بان يدفن في القدس والاشكالية التي يطرحها ذلك على اسرائيل. فهل تسمح بدفنه في القدس، وفي الاقصى الشريف، فتكون قد اعترفت بالمدينة المقدسة عاصمة للرئيس الفلسطيني اي للدولة الفلسطينية ولو بعد حين؟
ام تمنع الجنازة من الوصول الى القدس، مما سيعني تفجر مواجهة لم يسبق لها مثيل في تاريخ الصراع الفلسطيني الصهيوني، مواجهة ستكون انعكاساتها السلبية على اسرائيل وعلى حكومة ارييل شارون اكبر من ان تدارى؟
هذا النقاش كان يدور بصراحة في التلفزيون، بينما لم يكن شيئا منه يثار في وسائل الاعلام العربي والفلسطينية. وبالامس خرجت صحيفة لوفيغارو الفرنسية بعنوان يقول : ” عرفات يحرم من حلمه التاريخي في ان يدفن في القدس ” القضية كلها في العمق قضية حلم : حلم صهيوني وحلم فلسطيني، والمحور هو القدس. ورحيل عرفات هو، ولمرة اخرى، انتصار الحلم الصهيوني.
فمن المسؤول؟ المحيطين به، من اقرب المقربين الى المخططين الستراتيجيين، الذين لا يمكن وان يكونوا اقل اطلاعا من التلفزيون الفرنسي، واقل قدرة على التحليل من محرر او مذيع فيه، واقل معرفة بالمخطط الصهيوني؟
ام المسؤول هو، مرة اخرى الغرب الذي يلبس تامره علينا، ثوب الانسانية والتعاطف معنا؟
ام ان المؤامرة كبيرة كبيرة بحيث تشمل الجميع؟