في العام 1967، كتبت غادة السمان مقالا اقام الدنيا ولم يقعدها. الكاتبة اتهمت ام كلثوم بجزء من مسؤولية الهزيمة التي مني بها العرب. اعتبرت ان الايقاع البطيء، والمدة الطويلة، والتكرار التخديري، الذي تتميز به اغاني المطربة الكبيرة، اضافة الى المعنى الرومانسي النائح الباكي، هما رموز لتخلف العرب عن ركب الحداثة. ذاك التخلف الذي كمن في اسس الهزيمة العسكرية والسياسية.
الجدل حول المقال تحول الى اصطفاف سياسي والى جدل فكري حقيقي يبني على الموقف من التعبير الفني المواقف الاخرى من مسائل اساسية، كالعروبة والحداثة والاصالة والمعاصرة. محبو الفنانة الكبيرة اعتبرو ان غادة هي جزء من المحبطين الذين يفتشون عن مشجب يعلقون عليه احساسهم المر، او جزء من الحاثويين الهامين الذين يريدون التنكر لكل ما هو اصيل. ومؤيدو الكاتبة الكبيرة راوا ان القيمة الكبيرة للطرب الذي تمثله ام كلثوم لا تبرر باي شكل حال الاسترخاء وعدم احترام قيمة الوقت وعدم الالتحاق بركب العصر الذي بنى حضارته الحديثة على عكس تلك المفاهيم.
هذا الجدل عاد الى ذهني بالامس والطريق تطول بي بين الدوار الثالث والخامس، ومعي على المذياع حديث للمطربة لطيفة التونسية. اعترف انني لم اسمع حوارا مع فنان منذ اكثر من عشر سنوات، استلفتني كثيا الرقي الفني الذي تحدثت به هذه الفنانة. لكن مااستلفتني اكثر هو دعوتها زملاءها من الفنانين الجادين الى مقاطعة بعض الفضائيات العربية التي تسوق الاعمال الهابطة. وعنما سالها المذيع ما اذا كانت تعتقد ان ذلك سيفيد اجابت بالطبع اذا ما عملنا بشكل جماعي .
اذن ما تزال الدنيا بخير، او على الاقل فيها قدر من الخير. واذا كان هذا الدفع الهابط انما يشكل تعميما لقيم اقتصاد السوق التي تجعل من كل شيء سلعة بما في ذلك الانسان، تلك القيم التي تجهد الدوائر الاعلامية والتسويقية المتدفقة علينا كالطوفان الى احلالها مكان قيم اخرى تمثل كل ما هو راق وحقيقي في كل مجالات الثقافة ومنها الفن، فان المقاومةالفاعلة هي تلك التي تشمل جميع هذه المجالات. وانما هي في حقيقتها تجل للصراع العميق بين كل ما هو جوهري وذا مستوى راق، وبين كل ما هو تافه ومتفه. وطالما ان الصارع ما يزال قائما، طالما ان المبدعين الجادين الحقيقين ما يزالون يقاومون التفاهة فان الانحلال والانحطاط ليسا قدرا علينا .