بعد اجتياح لبنان، وانكشاف مجازر صبرا وشاتيلا شكلت اسرائيل لجنة تحقيق، وجهت الاتهام لارييل شارون، فعمد هذا الاخير الى الاستقالة. وفي لقاء اجراه معه الصحافي عاموس عوز ونشرته صحيفة دافار عدد 17 ديسمبر 1982، ثم اعيد نشره مترجماالى الفرنسية ومن ثم الى العربية مع اندلاع الانتفاضة الثانية ( ونشرناه في الدستور ) قال شارون بالحرف :
“- ان افضل ثمرة لحرب لبنان ان الغرب لم بعد يقصر كراهيته على اسرائيل بل اصبح يكره هؤلاء اليهود الصغار الرقيقين في باريس او لندن او او نيويورك فرانكفورت او مونريال او سائر الجحور المماثلة.. اخيرا اصبح هؤلاء اليهود اللطفاء مكروهين….اليوم انا مستعد ايضا ولاجل الشعب اليهودي ان اتكفل بالعمل القذر، مجازر للعرب حسب الحاجة، طرد، حرق ونفي، كل ما يلزم كي نصبح مكروهين. انا مستعد لان احرق الارض تحت اقدام ” يد” الدياسبورا الى ان يصبحوا مضطرين الى ان يركضوا الى هنا وهم يعولون، حتى ولو استلزم الامر مني ان افجر بعض الكنس اليهودية ”
هذا الكلام يكفي لتفسير الارتباط بين افتعال الاحداث اللاسامية في فرنسا و دعوة شارون يهود فرنسا الى الهجرة الى اسرائيل. واضغط على الادارة الفرنسية الحالية الذي يفضي الى تغييرات في موقفها من الشرق الاوسط.
واذ اقول الافتعال فانني لا احيل الى التحليل وانما الى الوقائع التي عشناها في باريس منذ اشهر. حيث لا نكاد ننام عن ضجة احداث توصف باللاسامية، وتقوم لها الدنيا ولا تقعد، ثم تنكشف الامور عن كونها اكذوبة ملفقة، لنصحو على قصة اخرى مشابهة ونهاية مشابهة.: حاخام يهودي يتعرض لحادث طعن،ويعلو الغبار والضجيج،حتى لا يعود في الاعلام حديث اخر، ثم تنكشف الامور عن انه قد طعن نفسه. اعتداء على شاب يهودي في الضواحي العربية، وضحة اخرى لمدة اسبوع ثم ينكشف الامر على ان مجموعة من الشباب وعددهم عشرة قد دخلوا في خناقة،و اصيبوا جميعا وبينهم واحد يهودي. ثم تاتي الحادثة الكبرى : امراة تتعرض لاعتداء في محطة المترو،يمزق ثوبها ويرسم على جسدها نجمة مسدسة ويقلب طفلها الرضيع ارضا، هي تقول ان الذين هاجموها عرب وسود، وتعلو اصوات الاستنكار وعلى راسها صوت رئيس الوزراء، ثم تكشف التحقيقات على ان المراة كاذبة وان شيئا لم يحدث في محطة المترو، بل انها قد فعلت ذلك في المنزل بمساعدة زوجها، النتيجة؟ تخرج على شاشة التلفزيون لتعتذر للفرنسيين ولكن ليس للعرب ولا للسود الذين اتهمتهم كذبا، وتحكمها المحكمة بمبلغ رمزي جدا ويخلى سبيلها.
ويخرج دومينيك شتروس كان، عن الحزب الاشتراكي لبقول : حتى لو كانت القصة ملفقة فذاك لا يمنع من ان احداثا اخرى قد حصلت، وتستمر الاهزوجة الاعلامية.
اخيرا تاتي حادثة المركز الثقافي اليهودي في الدائرة الحادية عشرة، ويتزامن حريقه مع زيارة سيلفان شالوم فيهرع اليه ومعه رئيس الوزراء الفرنسي ويعلو الزبد ايضا لينكشف الامر بعد يومين على ان من احرق المركز هو حارسه.
الظروف والتحقيقات تفضح كذب اليهود، لكن ذلك لا يمنع اللوبي اليهودي من تحقيق الافادة الاعلامية المطلقة من ذلك، ومن تركيز احساس الذنب ازاء اليهود لدى الفرنسيين ولدى العرب . في حين يقف هؤلاء مكتوفي الايدي متفرجين.
كما لا يمنع المسؤولين الاسرائيليين من اثارةالموضوع لدى كل زيارة يقوم بها احدهم الى الغرب، مقدمة لانتزاع تنازلات او مكاسب لصالح الدولة العبرية. في حين لم نسمع مسؤولا عربيا واحدا يفيد من الاحتجاج على تشويه صورة العرب، لانتزاع شيء مماثل لبلاده او للجالية العربية هناك. كذلك لا نجد من يتحرك ويحرك الجالية في هذا الاتجاه، ليظل السؤال الدائم : اين العرب؟ عرب العالم العربي و عرب فرنسا؟ لمذا يصمتون؟ لماذا لا يصرخون بالمقابل محتجين على تشويه صورتهم؟ اوليس في كل القوانين حق لمن اتهم كذبا بان يقيم الدعوى لتحصيل شرفه وتعويضه؟
اما السؤال الثاني الذي يطرح نفسه هو : لماذا فرنسا؟ ولماذا الان؟ فنحيله الى الغد