عودة الى القرون الوسطى!!

صحيفة الدستور، 26-10-2004

في دراسة له عن الاسطورة يقول المفكر الفرنسي ريجيس دوبريه ” اللاعقلاني يشد الاواصر” بمعنى ان ارتباط الشعب بتاريخه ومنه اساطيره التي تعبر عن ضميره الجمعي يشكل رابطا قويا بين افراده واجياله.

وباسقاط اخر ينطبق هذا الكلام على الدين الذي يصبح، خاصة في حضارة كحضارتنا عامل ارتباط ولحمة وطنية، اذا ما كانت الامور طبيعية. اما اذا دخل الانتماء الديني حالة المرضية التي نشهدها على ساحاتنا العربية فان الدين يتحول، وعلى العكس تماما، الى عامل تفريق وتدمير للبنية الاجتماعية والوطنية.

في العراق، لم تتجل العودة الى القرون الوسطى منذ الاحتلال، يوما، كما تجلت في الموقف الذي اعلن منالانتخابات المقترحة في يناير المقبل.فالمفروض منطقيا ان الموقف من الانتخابات يجب ان يتحدد بناء على عنصرين اساسيين : الاول ان المشاركة او عدم المشاركة في اية عملية انتخابية هي واجب وحق وطنيين يمارسهما المواطن بحكم انتمائه الوطني، ولاجل التوصل الى اقرار السياسات التي يرتئي انها الافضل لبلاده. والثاني ان هذه الانتخابات العراقية  تجري تحت حراب الاحتلال وبترتيب منه، والهدف الوحيد منها اعطاءه  والمتعاونين معه الصفة الشرعية، وصولا الى برلمان شكلي مسخ يقر الخطط التي تم الاحتلال لاجلها وفي مقدمتها نهب ثرواتالبلاد، واعطاء الوجود الاميركي طابعا قانونيا مشروعا اذ يتحول عندها الى تلبية طلب من الحكومة العراقية المنتخبة،  واقامة علاقات طبيعية تطبيعية مع اسرائيل.

غير ان تحديد الموقف المعلن من العملية جاء على لسان رجال الدين، فاعتبرها  الطرف السني معصية واعتبر الطرف الشيعي ان عدم  ممارستها يودي الى جهنم.

التعبيران بما يمثلانه من صيغة يعودان الى القرون الوسطى، ويعكسان تخلفا تجاوزته اللغة السياسية على الصعيد الدولي منذ قرون،  ويبرهنان على ان لا مفهوم لكلمة الدولة ولا لمفهوم المواطن وواجباته وبالتالي حقوقه. بل ويبرهنان وذاك هو الخطير اننا لم نرتق بعد الى حالة الدولة وانما نتجمع في تكتلات عرقية او طائفية او مذهبية…. مذهبية يتجاوز فيها التشظي الدين الواحد الى المذاهب، ففي اية ظلامية نعيش والى اية عصور تنوير نحتاج؟؟

الم يكن هذا الجانب الحضاري فيما  قصده جيمس بيكر عندما قال لطارق عزيز : سنعيد العراق الى العصر ما قبل الصناعي؟

نقول ذلك بحرقة لا تمنع اطلاقا من التمييز بين الموقفين المذكورين فالموقف السيستاني خيانة وتواطؤ مع الاحتلال وتكريس له، بشرط واحد هو اقرار الاغلبية الشيععية ولو تحت بسطاره. وموقف هيئة علماء المسلمين هو موقف التصدي والمقاومة ورفض خطط الاحتلال.

نقول السيستاني والهيئة اذ لا يصح اطلاقا ان نقول : السني والشيعي لان السيستاني لا يمثل كل الشيعة فمنهم  اولئك المقاومين الذين تواطا عليهم هاربا الى لندن، ليتركهم يدفنون  وروح المقاومة تحت اطلال النجف وكربلاء، دون ان يجعل التعدي علىالمراقد  حوزته الصامتة تنطق لتقول ان تدنيس المراقد يودي الى الجحيم. كما وان  هيئة علماء المسلمين النظيفة اليد لا تمثل السنة الملوثين من الذين دخلوا الحكومة الانتقالية وتعاونوا مع الاحتلال.

ان هذا الفرز الطائفي هو الطريق الى الجحيم، تلك التي كان على نظام البعث خلال سنوات حكمه ان يردمها ويحولها الى حقل للمواطنة الصحيحة، كما كان يعلن ويحاول.  لكنه فشل.  واسباب فشله تحتاج

الى تحليل كبير…

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون