في مقدمة للباحث اللبناني المعرو ف طارق المجذوب اشارة الى مشكلة لا بد وان يواجهها كل باحث يتعرض في الغرب الى دراسة مسألة خاصة بالقضايا العربية.
الموضوعية!
فمما لا يختلف عليه اثنان ان الموضوعية شرط اساسي في اي بحث علمي. ومما نعرفه نحن تماما ويجهله الغرب الا الباحثين المتخصصين، ان الحضارة العربية الاسلامية كانت اول من ارسى شرط الموضوعية في البحث العلمي.
ولكن، ماذا تعني الموضوعية لنا نحن الباحثين العرب، وماذا تعنيه للمتلقي او المشرق العربي؟ هنا تقع المشكلة. طارق المجذوب يبحث في كتابه في موضوع المياه في الشرق الاوسط، ويعرف ان الموضوعية هي ان يقول الاشياء كما هي، في حين يرى الباحثون الغربيون ان قول ذلك مجاف للموضوعية. وفي ذلك نموذج على ما نواجهه في بحث مشابه. فحين عرضت مثلا لبحثي في الفضائيات العربية اعتبر الاساتذة الذين اتعامل معهم انه ليس من باب الموضوعية ان انعت تلفزيون المنار بتلفزيون المقاومة اللبنانية، لان المحطة تابعة لحزب الله وحزب الله مصنف على قائمة الارهاب. كما اعتبروا انه لا يحق لي، موضوعيا استعمال مصطلح التحرير.
النقاش القانوني مع الاستاذ المشرف اوصلنا الى الملاحظة التالية: ربما كنت على حق، وربما كنت اشاركك الرأي، لكنني لن اكون الوحيد الذي اقرأ رسالتك للدكتوراه، وبالتالي قد يتسبب لك الامر في مشاكل.
في مجال آخر يطلب أحد مراكز الدراسات من باحثة مغربية صديقة بحثا مصغرا في موضوع المياه، وعندما تقدمه يعاد اليها بحجة انه ليس موضوعيا لانه يتهم اسرائيل بتجاوزات، واطماع مستقبلية. الباحثة ترد بالارقام والوثائق والسيدة المشرفة تصل الى خلاصة صريحة: هذا، لا نستطيع ان ننشره.
عشرات النماذج نواجهها كل يوم، والرسالة الرئيسية هي ان الموضوعية تعني الاستجابة لشروط الغرب، وبالتحديد اكثر للشروط الصهيونية.والا فمعركة التهميش صعبة ليس فقط امام العرب وانما ايضا امام الباحثين الغربيين الموضوعيين انفسهم. معركة لا يمكن ان تتحول لصالح الحقيقة الا بمزيد من الاصرار والعناد، والعلمية الموثقة، والحجة المسندة، و…الموضوعية.
