كحبات العقد اذا انفرط، تتداعى الصحف الاميركية الى الاعتراف بانها لم تكن موضوعية في تغطيتها للحرب على العراق، بل وفي مساهمتها في تحضير الراي العام لقبول فكرة الحرب.
السؤال المهم الذي تطرحه هذه الاعترافات هو: ما قيمتها الان؟ ما الذي تغيره من طبيعة الوضع؟ هل ستعيد السيادة الى العراق؟ هل ستعيد العراقيين الذين سقطوا نتيجة الحرب؟ هل ستعيد الثروات التي نهبت من العراق؟ هل ستسحب القوات الاميركية والاجنبية من العراق؟ هل سستعيد مئات الاف المخطوطات التاريخية التي تحولت الى رماد؟ هل ستعيد الاثار الالفية التي نهبت من المتاحف؟ هل ستعيد الكرامة الى الذين عذبوا واهينوا؟
اعترافات الصحف الاميركية وعلى راسها نيويورك تايمز وواشنطن بوست ستكون نتيجتها السياسية الاساسية اضعاف جورج بوش في الحملة لانتخابية لصالح جون كيري الذي لا ندري ما اذا كان سيكون افضل او اسوأ من سابقه.
اما نتيجتها الايجابية الحقيقية فسيحصدها الاعلام الاميركي الذي سيتمكن من ان يتباهى اكثر فاكثر بديمقراطيته وحريته، فينتزع بذلك انبهار العالم بالديمقراطية الاميركية التي تستطيع ان تقتل ثم تغسل يديها من دم الضحية. تستطيع ان تحتل بلدا ثم تعترف بعد ذلك بان المعلومات التي بررت بها احتلالها كانت خاطئة، ودون ان يغير ذلك شيئا في طبيعة الاحتلال.
ليست هذه المرة الاولى التي يلعب فيها الاعلام الاميركي دوره في المعارك الرئاسية في بلاده، فاكبر الفضائح التي هزت رؤساء واطاحت برؤساء صنعها الاعلام، من ووترغيت ونيكسون الى مونيكا غيت وكلينتون. وفي كل مرة كانت المحصلة الظاهرة شهادة للاعلام الاميركي، لحريته، وديمقراطيته. في حين كان الجانب الخفي والمحرك الحقيقي هو عدم رضا اللوبي اليهودي والمجمع الصناعي العسكري عن الرئيس المعني.
من جهة اخرى، الاعلام الاميركي بشركاته المتعددة الجنسيات العملاقة، وبشقه اليهودي يتهيأ الان لابتلاع الاعلام العراقي الجديد، فها هو روبرت مردوخ يرسل مستر بال الى العراق لدراسة تاسيس الفضائية العراقية الخاصة والتجارية الاولى التي ستكون مهمتها مقاومة تاثير المحطات العربية الاخرى، خاصة الجزيرة. فهل ستخدم براءة الذمة هذه التي تقدمها الصحف الاميركية الان، هذا المشروع الجديد، بان تهيء له الارضية، وتقنع الناس بمصداقية ما سيقوله؟
ثمة مشروع اخر للاعلام العراقي يموله البنتاغون، لكن تجربة مردوخ ستكون افضل لانها ستتمكن عبر الخصخصة والمظهر المحلي من ان تخلق تاثيرا اكبر، كما ستتمكن من ادراج الشق الاعلامي في سياق اقتصاد السوق والعولمة، مزاوجة بذلك بين الهيمنة اليهودية وهيمنة السوق.
واذا ما اضفناالى ذلك المعلومة التي تقول ان الوليد بن طلال هو المالك الثاني في مجموعة مردوخ، وانه قد اشترى للتو مع الشيخ صالح كامل، محطة ال بي سي، مضيفا اياها الى مجموعة أي ار تي التي يملكانها، تبادر الينا السؤال : هل ستكون العراقية الجديدة نسخة من ال بي سي، ام نسخة من احدى فضائيات أي ار تي، ام نسخة جديدة لا نعرف كنهها؟