قبل حوالي ثماني سنوات كنا ننشر بالتزامن في صحيفتي الدستور والخليج كتابا على حلفات بعنوان “جيل الفدائيين”، كنت أترجم الكتاب وأعرضه عن الفرنسية، وأعجب عند كل فصل بالموضوعية والدقة اللتين تميز بهما.
كان الكتاب يحمل اسمين : كريستيان شيسنو وجوزفين لاما. لم يكن غريبا على جوزفين ان تكون كذلك، وكنت اعرفها، لكنني كنت اعجب من موضوعية وموقف هذا الصحافي الفرنسي الذي لااعرف.
بعد اسابيع اتصل بي كريستيان ليشكرني ويستأذن في زيارة مكتبي لأفاجأ بانه شاب صغير يكاد يتعدى الثلاثينات، لكن ما فاجأني اكثر هو فهم هذا الشاب للقضايا العربية وموقفه الموضوعي المتعاطف معها.
وقد لاابالغ اذا قلت انه اكثر الصحافيين الاوروبيين صدقا وموضوعية من الذين التقيتهم في رحلتي المهنية والسياسية الطويلة.
لم يدر في خيالي للحظة واحدة انه بموقفه هذا يمكن ان يتعرض للخطف على يد مجموعة عربية، وسنقف حائرين في كيفية انقاذه، بل وان ياتي هذا الحدث في فترة تقف فيها بلاده فرنسا موقفا من افضل ما سجله تاريخها ازاءنا. شاب عاش معنا منذ اكثر من عشر سنوات، نقل صورة صادقة حقيقية وجريئة للاعلام الغربي عن قضايانا.
من مصر، الى الاردن، الى فلسطبن، الى لبنان، الى العراق، كان هذا الصحافي الفرنسي يتابع كل حدث، ويخرج كل فترة بكتاب. أحب بلادنا، الفناه وألفنا، تفاعل وتعاطف مع قضايانا، تعلم لغتنا وتعمق في فهم كل ظروفنا.
طالما رأيته يتألم لمظهر ضعف او تخلف او فساد وكأنه واحد منا.وطالما رأيته يفرح لانجاز وكأنه لبلاده.
فرنسي حقيقي، يؤمن بان مصلحة الشاطىء الشرقي للمتوسط مع شاطئه الغربي، ويحترم الحضارة والعراقة والتاريخ والانسان.ومهني حقيقي، يتابع الخبر والمعلومة والحدث بجراة وموضوعية ودقة.
وجهه الاخر،الذي لا يصدر في كتب او صحف هو الوجه الانساني، اعرف منه ملامح عدة، منها ان صديقة عراقية مقيمة في عمان فقدت الاتصال بابنها الموجود في بغداد خلال الحرب، وكان كريستيان على وشك الذهاب الى هناك، سألته ان يحاول البحث عن الشاب، اخذ العنوان ولم يعد الا برسالة للام التي لم يكن يعرفها.
اضافة الى هذا الحلم الشخصي يفاجئنا السؤال : لماذا فرنسا ؟ لماذا رعايا هذه الدولة التي لم ندافع عن انفسنا كما دافعت عنا وما تزال ؟
قد يقال انها فعلت ذلك لمصالحها، صحيح، ولكن هل كانت السياسة الدولية يوما جمعية خيرية؟
لباريس مصالحها، ولنا مصالحنا، فما مصلحتنا في الاعتداء على رعاياها الان ؟
اللهم الا خدمة المصلحة الاميركية على خطين : الاول سياسي ويعني استفزاز الاوروبيين والفرنسيين تحديدا ضد العرب والمسلمين. والثاني اعلامي وهو ابعاد الصحافيين الموضوعيين عن ساحة العراق، كي لايعرف احد ما الذي يجري هناك.
نصيح ونتشدق ليل نهار حول التشويه الذي يلحق بنا في الاعلام الغربي، و نحمل على صينية من ذهب بموضوع لمن يريد تشويهنا، في حين نخرس من ينطق كلمة حق بخصوصنا.
المطلوب ان نتحرك، اعلاميين وسياسيين، منظمات واحزابا ووسائل اعلام، لاطلاق سراح كريستيان شيسنو وجورج مالبرونو، لان الامر يتعدى شخصيهما، الينا جميعا كاعلاميين، الينا جميعا كعرب، الى فرنسا وعلاقتنا بها.الى مبدأ عدم جواز المساواة بين من يعادينا ومن يصادقنا.