فدوى طوقان…

صحيفة الدستور، 13-06-2004

بعد يوم واحد من ندوة الجامعة الاميركية ومعهد العالم العربي وما اثارته من شجون حول تناول صورة المرأة العربية في الغرب، تبلغني دار هارماتان انها قررت تبني اقتراحي بتكريم فدوى طوقان الى جانب بابلو نيرودا في مهرجانها الشعري الممتد من 18 الى 26 حزيران، وتطلب مني اعداد شهادة حول الشاعرة الصديقة.

تأخذني الفرحة، فهكذا يقدم وجه المرأة العربية، لكنني اقترح بان تختصر شهادتي لصالح قراءة مقتطفات من قصائد الشاعرة.

الجميل ان تكريم فدوى يأتي تحت عنوان: المقاومة، اذ اعطى المنظمون لكل يوم من ايام المهرجان عنوانا.

لذلك اركز على قصائد المقاومة، لكن دون ان انسى ان مقاومة فدوى بدأت من الذاتي الى العام الوطني: مرحلة مقاومة المرأة لاغلال التقاليد القاسية، لكن بمساعدة يد حنونة من رجل – ابراهيم، ثم مرحلة مقاومة الانسان الشاعر لاثبات وجوده على ساحة هذا العالم، واخيرا المآل الكبير: مرحلة المقاومة الكبرى، الالتحام بالكل المحتل الذي يقاوم للتحرر من نير الاحتلال.

لكنني اذ اتحدث اليوم عن فدوى كشاعرة صديقة – لا اقول عنها ابدا الراحلة لان المبدع لا يرحل – فانني لا املك الا ان اتذكر قصة تعرفي الى هذه الشاعرة الكبيرة وانا بعد مراهقة تحلم.

فكما يلفظ جسدها عرقه، تلفظنا بيروت اذا جاء الصيف ليتلقفنا الجبل الوارف قمري الندى. وبين سطح مسطبة مظللة بالنجوم الى ظل شجرة انثى، تتهادى الامسيات اللدنة ويحلو السهر.غريب من يشذ عن مرح الجماعة الى تأمل الانفراد – لا وحدة في وحدة الريف – اذ لا تسامرك فقط عناصر الطبيعة حتى اصغرها حيث تكتشف خط علاقات مذهلة بينك وبينها، بل تنجلي امامك ذاتك، وتعانقك رفيقا تنتبه الى انك اضعته..

واذا دخل المذياع هدأتك، ظلت ميزته انك لا تضطر الى مجاملته فيما لا تريد.

اواسط الستينات، اوائل المراهقة، ومحطة اذاعية اصابها المفتاح صدفة تبث برنامجا عن شاعرتين سلمى الخضراء الجيوسي وفدوى طوقان، وقصيدة بعنوان: »اوهام الزيتون« للشاعرة الثانية.

هكذا مرة واحدة… شاعرتان فلسطينيتان وهذه القصيدة.

لي انا ابنة الاسرة القريبة جدا من جبران خليل جبران، يوسف الحويك ومي زيادة

هؤلاء الذين لم يهدهد خيالي الطفل والناشىء مثلهما، ولم اعش الا حلم التمثل بثالثتهما، التي سمعت من خلال قصتها اسم فلسطين للمرة الاولى

وها انا اكتشف شاعرتين اخريين. ساضيفهما الى سجلي الاحصائي للمبدعات العربيات كي اقنع من حولي بان حلم امي بان اكون كاتبة وحلم ابي بان اكون محامية ليسا من هلوسات المهجر الاميركي

لكن الاكثر اثارة هي القصيدة

هنا تلفت حولي، وتلفت داخلي: هل صحيح ان مكانها الفلسطيني يشبه الى هذا الحد مكاني اللبناني؟

ولماذا اشعر ان كل ما تقوله هذه المرأة الفلسطينية صدى لما يمور في داخلي؟

لم يكن لتجربتي الطفلة ان تجد الجواب يومها.

قبل عام واحد من الان، اكتشف في باريس كتابا لكاتبة فرنسية تدعى دانيال سالوناف يروي انكشاف وهم يسارية فرنسية حول اسرائيل بمجرد زيارة الاراضي الفلسطينية، وتتوقف فيه الكاتبة طويلا عند فدوى طوقان بحس امرأة متوحدة مع التجربة التحررية الانعتاقية لامرأة اخرى.تجربة يذوب فيها الذاتي في الاجتماعي في الوطني.

بين التاريخين ما يتجاوز الثلاثين عاما من العمر.

يا الهي كم كبرنا!!

عمر كان فيه متسع من الوقت لاعرف فدوى وتجربتها ونتحول الى صديقتين حميمتين، ولاكتشف سر الكهرباء التي تنبعث من عيني واصابع فدوى لتمس مراهقة عربية دلكوها لحظة ولادتها بزيت الزيتون وكاتبة فرنسية لم تعرف زيتوننا الا في رحلة استكشاف

وانتقل الى المعرفة الاخرى، الشخصية، يوم كنت احرر الملحق الثقافي في مجلة الافق، واعرف صدفة ان فدوى في عمان، فاتصل بها محاولة تقديم نفسي، لتفاجأني بانها تقرأ لي كل شيء وانها حفظت عندها ما كتبته عن جوليا كريستيفا، لكن المفاجأة الكبرى كانت في اليوم التالي عندما رأيتها تدخل مكتبي حاملة موضوعا كتبته عن كتاب ايام الجمر لفتحية السعودي وتقول: لك ان تنظري اذا ما كان صالحا للنشر!!!

كم عرفتها! كم احببتها! كم اعجبت بها! كم انا سعيدة بتقديمها!

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون