هل دب الخلاف بين افراد العصابة بعد ان شعروا بان جريمتهم قد انفضحت، واصبح كل منهم يريد »تلبيس« الذنب للاخر؟
هل ان منطق العدل والمعتدلين قد تغلب وواجه المجرمون قدر الفشل ام ان قوة المافيا الخفية المخططة الحقيقية للجريمة قررت التخلص من المفضوحين للمجيء بعصابة جديدة ترتدي قفازات بيضاء ناعمة لا تمنع عملية الخنق بل وتسهلها؟
هل يمكن لنا الا نكون مشككين حد الوسوسة في كل ظاهرة تبرز الى السطح بعد ان اكتشفنا ان كل ما يظهر معاكس لما ينسج لنا في الحقيقة؟
ولكن هل يجوز لنا ان نترك وسواس الشك يمنعنا من رؤية الايجابيات التي يعبر عنها ببساطة المثل الشعبي »اذا خليت بليت«…. هي بليت دون شك ولكنها لم تخل دون شك ايضا، والا فمن اين برزت ظواهر المقاومة الرائعة في كل ارجاء الوطن
لا بد لنا من الدمج بين الموقفين، من رؤية الامور بموضوعية لا تغفل احدهما.
بلامس كان مايكل مور يحصد السعفة الذهبية في مهرجان كان السينمائي عن فيلم يهاجم الرئيس الاميركي ويفضح ادارته لموضوع العراق، والكل يذكر مواقف هذا المخرج المعادية للحرب.
وبالامس كانت الاجهزة الاميركية تطرد بسعفة نخيل المدلل احمد الجلبي من حضن الرعاية والتبني من دون ان يعني ذلك اخراج اسمه من لوائح العملاء.
وبالامس كان رئيس بلدية لندن العمالي يطالب برمي جورج بوش في مزبلة التاريخ وباعادة الحرية الى العراق، هذا الرئيس الذي كان اول من صعد خطيبا الى منصة المظاهرة التاريخية الهائلة التي شهدتها العاصمة البريطانية احتجاجا على الحرب قبل وقوعها.
في الحدث الاول رأى المعلقون هنا في فرنسا ان منح الجائزة لمور هو تقدير سياسي اكثر منه فني، ورأى آخرون ان منح الجائزة لفيلم وثائقي مع التركيز على ان ذلك جاء تقديرا للمضمون والشكل يعني اعادة التركيز على ان العمل الفني والسينمائي تحديدا ليس انجازا لاجل الفن فحسب، وانما هو عمل هادف يخدم قضية، وربما يأتي في السياق ذاته تدرج سائر جوائزالمهرجان التي اتجهت نحو اسيا بشكل واضح.
غير ان آخرين رأوا في ذلك مساهمة اوروبية في الانتخابات الرئاسية الاميركية، حيث تنتقم القارة العجوز من طاقم عيرها بعجزها وتسعى الى المجيء باخرى قد تكون افضل في التعامل معها، سواء على الساحة العراقية الاسيوية ام النفطية ام الاوروبية. ولم تكن تصريحات مور لتحابي على الاطلاق قبل الجائزة وبعدها في اعتبار فيلمه جزءا من الحملة لاسقاط جورج بوش.
على الساحة البريطانية ايضا وضع المحللون تصريحات رئيس بلدية لندن ضمن سياقها الانتخابي في معركة البلدية المقبلة.
وفي العراق فسرت عملية التملص من احمد الجلبي اما بتصفية حسابات بين اللصوص والسماسرة انفسهم، واما بصراع اجهزة بين الاسرائيلي والاميركي، او بصراع مراكز قوى داخل العصابة الاميركية نفسها، حيث من المعروف ان الجلبي مدلل البنتاغون هو من مدة طويلة مطرود السي أي ايه ومرفوض وزارة الخارجية، والبنتاغون اليوم في اسوأ حالاته، وهذا التحليل يؤكده قول الجلبي على العربية بأنه من المؤكد ان رامسفيلد لا يعرف بما حصل له : انه نداء استغاثة من المحمي الى الحامي… لكن الاخير الان منشغل بامر فضائحه، ويتدثر بحماية الرئيس، الذي حاول ان يغطيه بوصفه بتأكيد ثقته، لكن هذا الاخير نفسه يفقد ثقة الاميركيين وفق ما تؤكده الاستطلاعات.
نتيجة ذلك كله قد نشعر ببعض الرضى، ببعض التشفي، لكن علينا الا نتلهى بذلك عن نعمة الشك : فبوش المفضوح الملطخ وادارته سيذهبون ليأتي كيري الجديد الملمع وادارته، لينهوا الاحتلال المباشر المفضوح غير المشروع بأي منطق كي يحلوا محله الاحتلال المشروع والممأسس، والمغطى بما يسمى حكومة عراقية تطلب هي وجوده، ويترك لها هي ان تقمع العراقيين وتواجه المقاومة، وعندها سينبري كثيرون للقول بأن المقاومة لم تعد ضرورية. كذلك ستكون هذه الحكومة الجديدة قادرة على تشريع الوجود الاسرائيلي في العراق عبر مفاوضات ومعاهدات موقعة.وهنا يكمن بيت القصيد فكيري يهودي والادارة الديمقراطية هي الاكثر تحركا على ساحة المفاوضات العربية الاسرائيلية دون ان يعني ذلك انها اكثر رحمة حتى ولو كانت الاكثر ذكاء: فهل نسينا اولبرايت ومقولتها الشهيرة بانه لا بأس ان يموت مليون عراقي لتحقيق المخططات الاميركية.
في هذا السياق تحاول اوروبا ان تبحث عن حصتها السياسية والاقتصادية، وتجنب التفاف الولايات المتحدة عليها كليا عبر حدودها الجنوبية، بعد انم تغلغل النفوذ الاميركي فيها عبر التوسع شرقا.
انها سياقات السياسة الدولية، التي لم تبن يوما الا على المصالح، فاين نحن منها اين هؤلاء المتنافرون في تونس كما اولاد فريق رياضي خاسر وفاشل لا يخشى واحدهم الا ان يقوم المشرف عليه بصرفه من العمل لسوء ادائه، ولوجود لاعبين جدد اكثر شبابا وكفاءة واكثر ادراكا للحاجات المستجدة على ساحة اللعب.