ديان بيان فو

صحيفة الدستور، 12-05-2004

»كانوا على ارضهم وفي بلادهم، واصحاب عقيدة«

بهذه العبارة المختصرة يبرر الجنرال الفرنسي العجوز هزيمة بلاده في الفيتنام. كانت هزيمة رهيبة، حرب لاجل لاشيء، يضيف جنرال اخر.

معركة ديان بيان فو، ومسألة الاسرى العراقيين، هما ما يشغل الشاشة الفرنسية هذا المساء. مفارقة غريبة ام رسالة بليغة يسوقها القدر؟

بعد خمسين سنة يحيي الفرنسيون باهتمام كبير ذكرى معركة، هي اصعب المعارك المؤلمة التي خاضها جيشهم منذ الحرب العالمية. فيلم وثائقي طويل يمزج مجريات المعركة بشهادات بعض القلة الذين خرجوا احياء من ذلك الجحيم لتخرج معهم فرنسا من الهند الصينية.ثلاثة الاف شخص فقط من اصل عشرات الالاف الذين ذهبوا الى هناك، مستخفين متعالين: لا تهتموا بما تقرأوه في الصحف فنحن هنا وكاننا في اجازة، الجو جميل والجزء الاكبر من الفيتناميين انفسهم يتعاملون معنا« يكتب جندي لاهله في بداية الغزو.

»عندما بدأ الفيتكونغ هجومهم هللنا وفرحنا، وتبادلنا العناق، انا رقصت مع قائد الموقع ونحن نغني« تقول امرأة عجوز كانت يومها صبية جميلة، تعمل كمراسلة صحافية مكلفة بتغطية المعركة، وتضيف: »قال لي: سنتصيدهم كالعصافير، مجانين هؤلاء اذ يفكرون بمقاومتنا وباننا سنرحل!« وتستمر الرواية: »الموجة الاولى، قضينا عليها تقريبا لكنهم تدفقوا واحدة اثر اخرى، كالنمل، وكان الاسوأ الذي لم نتوقعه هو ما ينتظرنا« وهكذا اطلق الفرنسيون على التلة اسم: »تلة الموت« اذ تحولت المعركة الى ما يشبه حرب ابادة للجيش الغازي.

المشاهد مريعة والمفاجات الفيتنامية هائلة، وما ان ينقلب الميزان لصالح الثوار حتى تبدأ حرب مكبرات الصوت، الحرب النفسية ضد الجنود المهاجمين، ونتيجتها تبدأ حالات الهرب والاستسلام خاصة في صفوف المجندين من العرب المغاربة والافارقة، الذين لايرون في اعماقهم ان هذه الحرب حربهم.وتقترب النهاية المريعة.

تتحرك الديبلوماسية، الفرنسيون يلجؤون الى ايزنهاور لكن تشرشل يقف لهم ممانعا. يطرحون جديا مسالة استعمال السلاح النووي، لكن الدراسة تبين استحالة استعماله لان تاثيره سيصيب الجنود الفرنسيين انفسهم.ترسل التعزيزات ولكن دون جدوى، وتتحرك داخل فرنسا الحركات المناهضة للحرب، حتى ان فتاة شابة تتمدد امام سير قطار يحمل الذخائر الى فيتنام. احتجاجات لاينفع معها قمع السلطات واعتقال هنري مارتن ابرز نشطائها. وتصل الامور الى نهايتها: الى الاستسلام!

»كانت حربا خاسرة لانها ببساطة حرب غير عادلة« يقول مارتن في نهاية الفيلم بينما يعلق احد الضباط الناجين: »لو ان فرنسا عرفت ان تقدم حربها للعالم وكانها دفاع عن العالم الحر، لربما كنا نجحنا اكثر في استقطاب العالم«.

حزن واسى غير عادي يلف الرواية كلها، سواء في المشاهد ام في التعليق، ام في شهادات الناجين الذين لا يتحدثون الا عن عذابات زملائهم من الضحايا، وعن احساسهم هم بالذل.

الجميع يجمع على ان الجنود قاتلوا ببسالة لكن الخطأ كان خطأ السياسيين، واصحاب القرار. لكن الكل يجمع ايضا على الايمان الاستثنائي الذي قاتل به الفيتناميون: »قاتلوا كما قاتلنا نحن في الحرب العالمية الاولى. كانوا يدافعون عن وجودهم!« يختتم احد الجنرالات معلقا.

هل ابلغ من هذا الشريط الوثائقي التاريخي ليقول للفرنسيين: هاكم، كانت حكومتكم على حق عندما لم تذهب الى العراق.

لكن من صمم لعرضه لم يكن يهتم الى ان عربا مثلي سيرونه ويقرؤون كل الرسائل البليغة التي ينقلها الينا. هي مفارقة اخرى ان يقول احد اتباع مقتدى الصدر في نشرة الاخبار بعد دقائق: »نحن على ارضنا واصحاب عقيدة وهؤلاء مرتزقة«؟

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون