كثيرة هي المكالمات التي تلقيتها بعد برنامج حوار مفتوح مع الزميل غسان بن جدو على قناة الجزيرة، لكن ما دعاني منها الى التوقف اكثر من سواه مكالمتين تلقيتهما من الولايات المتحدة الاميركية نفسها : الاولى من محام من اصل عربي قال لي انه يتحدث باسمه وباسم مجموعة من زملائه العرب والاميركيين، وينبه فيها الى ان القانون الاميركي يسمح للسجناء الذين تعرضوا للتعذيب بتقديم دعاوى مدنية ضد الذين عذبوهم وضد الذين امروا بذلك اذا ثبت الامر. وقال لي ان اهمية الدعوى المدنية تكمن في امرين اساسيين: انها لا تخضع اولا لما يمكن ان تخضع له الدعوى الجزائية من ضغط الحكومة واعتبارات محاكم الجزاء، وثانيا ان من طبيعة المجتمع الاميركي ان تثير القضايا المدنية فيه ضجة اعلامية كبرى لا تتوقف لمدة طويلة، كما اعرب لي عن استعداده هو ومحامين كثيرين للتكفل بذلك.
هذا الاستهداف الاعلامي الذي تحدث عنه الشاب التقى مع مكالمة اخرى من صديقة اميركية هي قسيسة واستاذة جامعية في ولاية نيويورك، وقد عرفت فيها تأييدها العميق والحقيقي للقضايا العربية، وارادت ان تنبهني وتنبه العرب بشكل عام الى نقطتين : الاولى ان دانيال بايبس ومن معه في دائرة اللوبي اليميني المحافظ اليهودي يتعمدون الحديث بنبرة تحد واستفزاز وتعال معنا، ويتعمدون كل ما من شأنه ان يغذي عمق العداء بين الاميركيين والعرب لان ذلك يصب في عمق استراتيجيتهم الهادفة الى تعميق وتكريس صراع الحضارات والكراهية بينها مما يقع في صلب المصلحة الصهيونية الاسرائيلية، غير ان هناك اميركيين اخرين لا يؤمنون بذلك ولا يجوز تجاهلهم وانكارهم، وسالتني هذه السيدة باستغراب : لماذا لاتعمد القنوات الفضائية العربية الى استضافة من هم في تيار الحوار المعادي للحرب وللمنطق المهود للمسيحية، ولادارة جورج بوش بالتحديد؟
هل يريد الاعلام العربي هو الاخر تكريس منطق صراع الحضارات؟ هل يريد ان يخدم هؤلاء المتطرفين بابرازهم وكأنهم يمثلون كل اميركا؟ هل يقدم لهم المساعدة في خنق التيار الاخر؟
وحتى المسيحيون الاخرون،الحقيقيون باتوا مهمشين لصالح هذا التيار المهود للمسيحية، لماذا؟
المحامون عادوا واتصلوا بي مرة اخرى، وقالوا لي انهم سمعوا ان نقابة المحامين المصريين تعتزم رفع الدعوى في قضية الاسرى العراقيين، وحذروني من ان رفعها في اية دولة غير اميركا سيجعل القضاء الاميركي يتحجج بذلك كي يرفض الادعاء لديه او على الاقل يؤجل النظر به.علما بان الاعلام لن يهتم كثيرا بقضية ترفع في الخارج.
ارى ان الاتصالين: المحامي والاستاذة القسيسة لا يتباعدان : ان هما الا رجاء يرسل لنا نحن العرب ويدعونا الى التحرك على الساحة الاميركية الشعبية.