لا نستطيع ان نخسرها

صحيفة الدستور، 12-04-2004

السناتور ماكين الذي دعا الى الغاء مشروع عسكري على خطة البنتاغون لاجل تمويل الحرب في العراق، اختتم كلامه بالقول: (ان مصداقيتنا الان موضع رهان… وهذه الحرب لا نستطيع ان نخسرها).

دعوة لا تعبر عن التشدد بقدر ما تعبر عن الازمة التي تورطت فيها الولايات المتحدة الاميركية في احتلالها لبلاد الرافدين.

ثلاثة اطراف كانت تتوقع تحقيق مصالحها من خلال هذه الحرب : الولايات المتحدة الاميركية، اسرائيل، وجزء من العراقيين الذين كانوا يعارضون النظام القائم.

ونقول جزءا لان العملاء وحدهم هم الذين ارادوا استبدال نظام يرفضونه باحتلال بلادهم وتدميرها واذلالها، اما الاخرون فان عداءهم للنظام لم يلغ عداءهم للاميركيين والصهاينة الحاقدين على بلاد حمورابي ونبوخذ نصر.

والان وبعد سنة من الاحتلال، الولايات المتحدة تجد نفسها في مأزق كبير، لن تغير مكابرة بوش وفريقه التي تجعلهم ينكرونه ويكذبون في كل شيء، من عدد الضحايا الى حقيقة الوضع ذ لن تغير من صعوبته شيئا. وهل اكثر دلالة من اضطرار المتشددين الى اقتراح الغاء مشاريع دفاعية مقررة للتمكن من الاستمرار في الاحتلال ومواجهة المقاومة؟

واذا ما اخذنا في الاعتبار ان هذه المقاومة ما تزال تتلعثم في كلمتها الاولى، ولنقارنها بتطور المقاومة اللبنانية خلال خمس وعشرين سنة من الاحتلال، او تطور المقاومة الفلسطينية منذ اكثر من نصف قرن من الزمن، لوجدنا ان لعبة عض الاصابع المؤلمة بين هذه المقاومة والاحتلال هي التي ستقرر كل شيء في النهاية.

اما اذا اضفنا الى هذا الاعتبار، وضع الولايات المتحدة الاقتصادي، فهي الدولة الاغنى ولكنها الدولة الاكثر مديونية في العالم، وهي الدولة التي يقوم الرابط الوطني فيها اساسا على ايديولوجية المنفعة، جاعلا من امكانيات تأمين هذه المنفعة المعيار الاول والاخير للالتفاف حول سياسة معينة، فاننا نصل الى عقدة اخيل الاميركية، نقطة الضعف التي لا يسعنا الا وان نذكر كتابات ونداءات المفكر الكبير روجيه غارودي حولها، فمنذ اواخر الثمانينات وهذا المفكر المناضل يصرخ بالعرب ان بيدكم اضعاف الولايات المتحدة، لانها امبراطورية لا يمكن ان تهزم في حرب نظامية، في حين ان هزيمتها الوحيدة تأتي من تصدع الوضع الاقتصادي.

من هنا السؤال: هل سيكون بامكان المقاومة ان تبني خططها وتحدد نفسها بناء على هذا المعطى؟

الطرف الثاني هو اسرائيل، هذه التي حققت اول احتلال وتسلل في تاريخها دون خسارة قرش واحد او جندي واحد.

لكن هل سيظل هذا التسلل مكسبا وامتدادا اذا ما وعت المقاومة العراقية ان رأس الافعى هنا لا هناك في واشنطن، وان الخطر التاريخي الوجودي الحقيقي يأتي من احلام صهيون، التي لعبت دورها الكبير في تغذية الحقد الاميركي ؟

ويأتي السؤال الثاني : هل ستقيم المقاومة خططها على شبكة مراقبة للانشطة الاسرائيلية في العراق(امنية كانت ام اقتصادية ام سياسية) وتوجيه ضربات مدروسة وقاسية لهذه الانشطة ؟

سؤال قد يكون ثمة خيط من الجواب عليه، اذا ما تاكدت الانباء القائلة بان القتلى الذين مثل بهم في الفلوجة كانوا من عناصر الموساد.

واخيرا يأتي هؤلاء العراقيون الذي باعوا انفسهم وبلادهم في سوق النخاسة، وقبلوا المجيء على دبابات تسحق ارضهم وشعبهم، هؤلاء سيملؤون جيوبهم ويحققوا حلمهم في احتلال بعض شاشات التلفزيونات، ثم يذهبون بعد ان يكونوا قد نفذوا وعودهم الخيانية لاسرائيل، بل ولرابطة الدفاع اليهودية التي فضحتهم على شبكات الانترنت مرارا.

ويبقى العراقيون ممن كانوا بعثيين ام كانوا ماركسيين،ام اسلاميين .ممن كانوا متعددي الاتنيات او الاديان، ممن كانوا مع النظام او من اشد معارضيه، بل ومن ضحاياه، يوحدهم في النهاية رفض الاحتلال والتمسك بالعراق.

شرط الحذر الشديد من تأسيس ارضية لاستغلال هذه التعدديات لتكريس تجزئة تدخل البلاد في دوامة اخرى بعد الاحتلال.

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون