رسالة الفّلوجة

صحيفة الدستور، 12-04-2004

لم ينص دين بشكل واضح على تحريم التمثيل بالجثث كما فعل الاسلام ، ولكن عملية التمثيل التي شهدتها الفلوجة نسبت الى من يسميهم الاحتلال اسلاميين.

هل تعني هذه الملاحظة ادانة لما حصل ؟

ام انها تعني على العكس من ذلك اشارة الى المدى الذي يمكن للظلم ان يوصل الانسان اليه ؟

ام انها تتطلب وفي هذا السياق الاخير ، تحليلا اعمق للحادثة ؟

اجل العراقيون يعيشون ظلما لم يعرفوه في تاريخهم الالفي ، حتى ولا مع غزو هولاكو ، ظلم لا يطال اللقمة والبقاء والكرامة فحسب ، بل ويتجاوز كل ما في الحاضر، الى التاريخ الالفي كله ، بكل انجازات شعب كد وابدع وبنى وارضع الحضارة الانسانية برمتها.

كل ذلك مباح للتدمير والنهب والالغاء ، ومن قرأ قصيدة مظفر النواب الاخيرة يجد فيها رمزا على مرارة عراقية لم تبلغ هذا المدى في اية قصيدة سابقة لهذا الشاعر الذي لم يكن يوما الا شاعر المرارة العراقية.

لكن هذا كله ، لا يقدم التفسير الكامل للحدث ، انه الارضية ولكن على هذه الارضية نجد واقع حال غريب في هذا العراق الذي اصبح غريبا عن حاله : الاميركيون غرقوا وبصعوبة فائقة في المستنقع العراقي ، وحاولوا ان يصرخوا بالاوروبيين ان ياتوا ليموتوا مكانهم على رمال العراق ، ليتكفلوا عنهم بامور الامن كي يتفرغوا هم للنفط ، وحاولوا ان يجدوا اية بدائل اخرى ، فلم يفلحوا حتى مع ظهيرهم الاسرائيلي الذي امن ولاول مرة منذ نشوء الصهيونية احتلال اكبر جزء من ارض الميعاد وتنفيذ خطته عليها دون ان يخسر جنديا واحدا او قرشا واحدا بل ودون ان يدفع ثمنا ساسيا لذلك.

الاميركيون هم الذين يصرخون الان في العراق ” يا وحدنا !” لكنهم ليسوا وحدهم طالما ان اموال العراق بايديهم ، فلا باس ان ينفق على الامن ، 15 مليار دولار من الثمانية عشر المخصصة لما اسموه “اعادة اعمار العراق ”

اجل ان اعادة اعمار العراق تعني الحفاظ على امن المحتلين وقمع المقاومة العراقية ، والفتات المتبقي أي المليارين الاخيرين لا تكاد تكفي لما هو منذور للسرقة سواء للمتعاونين ام لمسؤولي الاحتلال.

بهذه الميزانية المخصصة للامن جاء الاميركيون بالحرس المدنيين : المرتزقة الذين تؤمنهم لهم شركات اميركية واوروبية خاصة ، وكلفوهم اولا بحراسة بول بريمر وثانيا بحراسة قوافل الغذاء المخصص لقوات الاحتلال ( أي شركة هاليبرتون التي احتكرت تامين اطعام الجيش الاميركي) ، وثالثا بمهمات تفكيك المتفجرات التي تضعها المقاومة ، ببساطة بامن الاحتلال ، وباموال العراقيين.

الاغراء كبير اذ يتقاضى الفرد من هؤلاء الحراس ما بين عشرة الى خمسة عشر الف دولار في حين يتضور العراقيون جوعا ولا يجدون الدواء ، فكيف لا يصابون بالجنون ؟ كيف لا يتصرفون ازاء من يمسكونه من هؤلاء المجرمين كما تصرفوا في الفلوجة ؟ سواء اكان محرض ذلك مجرد الغضب ام قصدية توجيه رسالة الى هؤلاء المرتزقة والى الذين ينوون المجيء ايضا. خاصة وان هؤلاء ليسوا جنودا ياتون مرغمين بحكم اطاعة اوامر قياداتهم ، او بعلة الولاء لبلادهم ، وانما هم مجرد طامعين جشعين مجرمين اختاروا المجيء بمحض ارادتهم.

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون