طالما قلت انك الصديق حد الاخوة ! لكنني ككل الشقيقات الحرّات اتبرأ منك !
لست الوحيد الذي طأطأ رأسه امام سبابة بول بريمر. لست الوحيد الذي ساق مسرحية معاداته للنظام الصدّامي بحجة الانتصار للحرية، للحق والخير والجمال، القيم التي تشكل عصب الفن ودمه، ثم انهاها بالالتحاق بالاحتلال الذي يشك احقر انواع المصادرة، لكل ما هو حق وخير وجمال !
لست الوحيد الذي اثبت انه من الرخويات التي تجعل من حب العراق وحب الثقافة منزلقا لكره الكرامة الشخصية والوطنية !
لست الوحيد الذي جعل منه العراق مبدعا كبيرا فحول نفسه الى خادم صغير لا للعراق الام وانما لسيد اميركي يهودي صهيوني !
لكنك الوحيد الذي كان صديقا حد الاخوة، وضربني بالخيبة حد الذهول.
انا التي تتصفح الانباء كل يوم وتنتظر عملا فنيا عن المقاومة العراقية، عن الاحتلال يواكب قصائد مظفر النواب وسعدي يوسف، عمل كالمجنزرة الاميركية ماكبث الذي اذهلنا به جواد الاسدي تضربني الانباء هذا الصباح بان بول بريمر شكل ما سماه الهيئة الوطنية للاعلام والاتصال و عين لادارتها ثلاثة منهم الدكتور عوني كرّومي !
لم تكن قادرا على ان تكون مظفر، لا ولا سعدي، لا ولا حتى زميلك وصديقنا معا جواد !
هؤلاء الكبار، اثبتوا فعلا انهم انما كانوا يعادون صدام حسين لشيء اخر، غير كونهم لم يجدوا لهم مكانا بين المنتفعين منه.هؤلاء اثبتوا فعلا انهم خرجوا من العراق يوما لاجل العراق، ولاجل امته، ولاجل خيار سياسي مبدئي، تحترمه سواء اختلفت معه او اتفقت.
هؤلاء اثبتوا استحقاقهم للقب المثقف، ذاك الذي يستطيع ان يبني موقفه على ما هو ابعد من تغذية الحقد على من لم يعد موضوعا ولا وجودا.
اثبتوا انهم انضج واكبر من الهرب، الهرب من مواجهة موقف مطلوب وموجب ازاء الاحتلال والتهويد، الى الاستمرار في فتح الدفاتر والملفات وشتم صدام حسين.
عارضوه وشتموه عندما كان سلطة، وبيده المصالح، فا ستحقوا الاحترام، حتى ممن كان يخالفهم. وتركوه جانبا عندما اصبحت هناك سلطة اخرى اشد خطرا واشد ظلما. وانبروا للتصدي لها.
ربما تكون الحسنة الوحيدة التي ولدها هذا الدمار انه فرز الناس، العميل من المعارض، والهارب من المتمرد، والمضطلع بمسؤولياته من المتخلي، والرافض من الجبان.
اعرفك جيدا ياعوني، اعرف اين اضعك من بين كل هؤلاء، اعرف انك لست عميلا، لكنك تتساوى بمن كان كذلك لانك هلامي، وحالم حد الضياع.
ليس لذلك فقط اختاروك، بل لانك – وكم هو صعب علي ان اقول !- لانك مسيحي، وبذا يضربون عصافير بحجر : عصفور انك ابن الشمال، وعصفور احباط وتصيد الفنانين، اذ يقال انك تمثلهم، وعصفور تشويه المسيحيين، وذاك ما يسعون له على كل الساحات العربية. وبذا تذبحني ياعوني ثلاث مرّات قبل صياح الديك.
كنت اعرف ضعفك، واعرف ترجمتك الساذجة للامور السياسية، واعرف هلاميتك، واصابني خوف عندما التقيت عراقيا ابيا قادما من برلين، لمؤتمر الجمعية العربية لحقوق الانسان، هنا في باريس، واخبرني باستياء اشياء عنك وعن مجموعة من المسرحيين الذين جمعتهم هناك لاطلاق بيان حول المسرح العراقي الجديد، رفضتم فيه ذكر الاحتلال، لكنني ظللت اعول دائما على قيمة انتصارك للجمال وللفن وللحق، للمسرح، اداة التغيير وساحته. اهذا هو التغير الذي ظللت تحلم به؟ وكيل ذليل في ظل احتلال مذل؟
هل كان لقاء برلين الذي ذكرت هو شهادة حسن السلوك التي اوصلتك الى الموقع الحالي؟
أي مسرح؟ واي فن؟ واي اعلام ستقيمونه لخدمة احتلال يغتصب ارضكم وثرواتكم ونساءكم؟
أي اعلام واي فن ستوظفونه لخدمة المشروع الاميركي – الصهيوني، ضدنا كلنا انطلاقا من العراق؟
واذا كانت لديك هذه القدرة الكبيرة على التأقلم مع الظلم فلماذا تركت العراق بعد التسعين؟
اوليس هذا التاريخ : بعد التسعين نفسه مدعاة للتساؤل؟
تساؤل حول من كان مع القوي وهو قوي ومع الضرع الحلوب وهو مليء ومدر، واصبح فجأة مناضلا لاجل الحريات عندما ضعف القوي واخذ الضرع يجف.
افتح بريدي الالكتروني، فيقفز الي مظفر او سعدي، فاشكرهم لدفعة روح تأتيني وانا اعمل ليل نهار على رسالة جامعية احلم بان تؤهلني لتطوير الاعلام ووسائل الاتصال العربية، ايمانا بدورها في معركتنا الطويلة، وافتحه اليوم فيضربني هذا الخبر المر الذي يقول لي ان جزءا من معركتي سيكون معك.
اقفله واحلم بان اقرأ غدا انك رفضت، او ان اسمع بعد فترة انك استقلت.
عندها فقط سأضغط زر اعادة الارسال وابلغ طلابك واحدا واحدا، ومنهم في عمان ابنتي ربى وغادة، هل فكرت بهم، وانت تقبل هذا التعيين البريمري المذل؟
هل بقي في العمر ما يستحق هذا السقوط؟