واحدة من اهم الجوائز الصحفية في باريس منحت هذا الاسبوع لصحافيين اثنين عن تحقيق لهما حول تدمير وسرقة المتحف الوطني العراقي
هذا الاهتمام الفرنسي بموضوع يعني ذاكرتنا القومية الحضارية، كم يشعرنا بالخجل !
اين الاعمال العربية عن التدمير الممنهج لهذه الذاكرة ؟
هل تكفي اطلالات خجولة من هنا او من هناك لتأدية الامانة التاريخية المطلوبة من الدوائر الاعلامية والثقافية والسياسية العربية ازاء هذا الاعتداء الهادف الى استئصال الهوية ؟
الجزيرة قدمت بضعة تحقيقات عن المكتبة الوطنية، عن بيت الحكمة، عن مكتبة المخطوطات، عن جامعة الموصل وندرة اخرى من الاشارات في الاعلام العربي الى هذه المجازر الحضارية . التي لم تبدأ فقط مع الاحتلال الاخير ولكن ها تعود الى العدوان الاول عام ،1991 الذي طال اكثر ما طال اثار اور، وعندما طالبت لجنة التراث الانساني في اليونسكو بالتحقيق في عملية تدمير اثار اور وسرقتها، علقت الولايات المتحدة عودتها الى اليونسكو، وتسديدها لمستحقاتها على سحب التحقيق . يومها كانت صحيفة لوموند هي التي غطت القصة
اور نفسها، هذا المهد الاول للحضارة الانسانية، اختارها الجيش الاميركي قاعدة عسكرية يتمخطر جنودها وهم يمضغون علكتهم فوق الجماجم والعظام الالفية .وفق تعبير صحيفة ليبراسيون التي نشرت تحقيقا حول الموضوع قبل شهر .
ومرة اخرى تعود المرارة : التلفزيون الفرنسي، لوموند، ليبراسيون ….. ونحن ؟ اين نحن ؟ الاعلاميون العرب ؟ الاعلام العربي ؟ جمعيات الحفاظ على التراث ؟ اتحاد المؤرخين العرب ؟المؤسسات الثقافية ؟
يا الهي كم من الاسماء والعناوين في حريم السلطان، منشغلون بالنراجيل او بالنوم، او بالدسائس !!
انها نحن، جذورنا هذه التي تقطع، اصولنا التي تستأصل، بيد الحقد الصهيوني ولقطاء الحضارة لكي لا تظل هناك شهادة على هوية تتحدى الادعاء الصهيوني، او تتحدى زرازيرنا التي توهمت انها صارت شواهين لمجرد ان النسور الجريحة قد ابعدت عن فضائها .
قبل اسبوع كان معهد العالم العربي بباريس يحيي اسبوع الشعر العربي بغياب العراق، مختارا ثيمة شعر المرأة العربية – لا انتصارا لمبدعات نساء وانما في شهادة حسن سلوك ومبادرة، والتقاط راداري لخطوط تصميم الاصلاحات الاميركية – في مسلك اكدته رعاية سعاد الصباح »استسقاء« للفعالية التي انتهت الى فشل كبير .
افلم يكن احرى بالمعهد وبالشاعرة الكبيرة وبنفطها ان يبادروا الى اطلاق صرخة ما ازاء تدمير مخزون الثقافة الانسانية في مهدها الميزوبوتامي، ذاك الذي شهد اول قصيدة كتبتها امرأة في التاريخ ؟
الم يكن احرى بالكاتب العربي الكبير الذي كان يوزع ملفا عليه صورة الشاعرة”الراعية” ان يوزع ملصقا طبع تحت الحصار يحمل نص تلك القصيدة بالسومرية والعربية ؟
اوليست تلك الشاعرة السحيقة جدة نازك الملائكة وجدتنا كلنا الذين نتلعثم بابداع ما ؟
انسيت سعاد الصباح قصيدة صدحت بها يوما من على منصة المربد : ” انا امرأة من جنوب العراق ” لتختمها بالسؤال : ” وهل تحب النساء رجالا بغير رجولة ؟ ”
يومها كان الرجال هم العراقيون، فهل اصبح الرجال
اليوم هم الاميركيين، الذين يحكمون نشاطنا حتى ونحن في عاصمة تبصق في وجهنا وهي تمنح جائزة صحافتها لعمل عن المتحف الوطني العراقي؟