يوم كانت النار تلتهم العراق، كتبت معاريف: اليوم العراق وغدا السعودية، اما مصر فهديتنا الكبرى.
ويوم كانت النار تلتهم غزة قلنا: لانبكي غزة بل مصر.
ويوم اندلعت النار في اليمن نظرنا بخوف الى عدة اهداف محتملة وعلى راسها السعودية.
لكن الوضع المصري، على ما يبدو مرشح لان يغير الترتيب الي حمله عنوان معاريف.ولا يمر يوم الا ونضع يدنا على قلوبنا ونحن نرى الشقيقة الكبرى تتدحرج كرة نحو المصير المجهول. احداث تتالى، وليس في متواليتها اية مصادفة على الاطلاق، حيث ان العلاقة السببية المنطقية تبدو واضحة لمن يقيم الربط.
ان تدمر بلدا، يعني ان تدمر عناصر قوته، وتفعل عناصر ضعفه، بل وان تحول احيانا عناصر من الاولى الى الثاني.
مصر هي قبل كل شيء، ومنذ التاريخ هبة النيل.
مصر هي منذ العصر الاسلامي الدولة العربية الاسلامية الكبيرة، الكبيرة لا لانها كذلك جغرافيا وديموغرافيا، بل لانها بؤرة امتداد اشعاعي يشمل العالم العربي كله.
ومصر عبد الناصر زعيمة العرب المطلقة، والمتربعة بذلك بين ثلاث على راس دول عدم الانحياز، والمطلعة بذلك بدور طاغ في افريقيا، لم تكن لتكون كذلك لولا انها لم تطرح نفسها مشروعا هائلا يتجاوز حدودها. مشروع عرف كيف يعزف على الاوتار الثلاثة التي تشكل الحس العربي الاسلامي، والتي بدونها لا شارع ولا زعامة: الوحدة، فلسطين والاسلام الحضاري.
لكن مصر هي ايضا الدولة التعددية، وككل التعدديات، يكون هذا التركيب عنصر قوة في وقت القوة وعنصر ضعف وتهديد في وقت الضعف.
مصر هي دولة الكثافة الديموغرافية الهائلة، وذلك ما يكون عنصر قوة عندما يكون هؤلاء سواعد قوية مشبعة وعنصر ضعف عندما يتحولون الى افواه جائعة.
مصر هي الدولة المفتاح، كما كان يتفاخر كتابها، ولكنه مفتاح خطير عندما يصبح بيد غير يد اصحابه.
وبدءا من النيل، يعرف الجميع كيف كانت نيجيريا احد خيارات اقامة دولة اسرائيل، لسبب محدد هو الاسيطرة على بحيرة فيكتوريا والبحيرات الاخرى التي ينبع منها نهر النيل. ومنذ اقيمت اسرائيل في فلسطين التي ميزتها ” قوة الاسطورة ” كما قال وايزمن، احد مؤسسي الحركة الصهيونية. منذها لم تتوقف محاولات اسرائيل على محاولات السيطرة على مجرى النيل، وكانت مصر تحتفظ دائما – في مواجهة ذلك- برئاسة لجنة الدول المشرفة على نهر النيل، الى ان خسرت هذا الموقع في العام الماضي. ويتضاعف التهديد الخطير اذا ما ادى استفتاء تقرير المصير الى فصل جنوب السودان خلال الاسابيع المقبلة.
اما اذا انتقلنا الى العنصر الثاني، فان عملية عزل مصر عن محيطها العربي والاسلامي تتم بتسارع غريب، والاغرب انه يتم على يد حكومتها نفسها، فمنذ حرب الخليج الاولى ضد العراق بدا عزل مصر عن جزء من القاعدة العربية. ومع الاحتلال جراء الحرب الثانية ظل الموقف نفسه يتنامى، غير ان هذا العزل ظل جزئيا،اولا لان الموضوع العراقي خلافي في العالم العربي، وثانيا لان ظروف اجتياح العراق للكويت كانت تمنح البعض عذرا بانهم مع بعض العرب ضد البعض الاخر، وانه مع الضعيف المعتدى عليه ضد القوي المعتدي.
الى ان جاءت احداث غزة، وهنا سقط السببان المخففان، فلا خلاف حول قدسية القضية الفلسطينية، ولا عربي ضد عربي، بل عربي ضعيف محتل ضد اسرائيلي عدو محتل غاصب، ومصر تبدو في صف الاخير ضد الاول. يفاقم الامر كون الحصار لم يكن ليقتصر على الجانب العسكري بل الانساني.
بعد الحصار ياتي، الجدار، واية طامة كبرى؟
وياتي التعامل اللامعقول مع قوافل جاءت من العالم لتتضامن مع المحاصرين. تعامل يصل حد الجنون مع تصرف السلطات المصرية ضد نائب برلماني بريطاني.
يتعالى الجدار بجنون، لا بين مصر وغزة، بل بين مصر وبعدها العربي كله. وحتى بعدها الافريقي. وليست احداث مباراة كرة القدم بين مصر والجزائر ببعيدة عن هذا السياق نفسه.
وتتوقف اليد المصرية عن مطاولة الاوتار الثلاثة: الوحدة والاسلام وفلسطين.
قبل ان تنتهي الامور على هذا الصعيد تندلع احداث طائفية بين الاقباط والمسلمين. كيف؟ ليس هذا هو المهم، فليس اسهل من اشعال النار. ولكن، لماذا؟ هل هناك من يريد ان يقول للحكم المصري ان بيده ضغوطا اخرى يمكن ان يحركها مقابل الضغوط العربية ضد الجدار. خاصة واننا نذكر المظاهرة القبطية التي خرجت في شيكاغو ضد النظام المصري عام 1991 قبل وقت قليل من اتخاذ الجامعة العربية قرارها بشان العراق. وفي الوقت نفسه بدات الصحافة الغربية باثارة قضية النوبيين.
انها قصة خطيرة: عزل قومي – عزل اسلامي – عزل مائي – تهديد غذائي، وتهديد طائفي واتني، والاخطر ان النظام المصري هو اكثر من يساهم فيها.