التاريخ نيسان 2003، والوثيقة هي رسالة المجلس الاعلى للاعلام في فرنسا الذي يحمل رقم ،161 حول موضوع التغطية الاعلامية للحرب الاميركية على العراق .
المقدمة الطويلة هي تحية للصحافيين الفرنسيين العاملين على الساحة العراقية، على شجاعتهم وموضوعيتهم، تحية ممطوطة بالكثير من الكلام، لها مايبررها بالطبع لان الاعلام الفرنسي كان في معظمه موضوعيا وجريئا في تغطيته للحرب ومن ثم لاخبار المقاومة .
لكن ذلك لايعدو ان يبدو مقدمة للموضوع الاخر الذي بدو الاساس، ويأخذ حيزا من الرسالة لا يقل عن نصفها:
»يتوجب ان تعالجوا بالحذر والصرامة القصوى المواضيع التي من شانها ان تغذي توترات او عداوات بين صفوف الشعب او ان تجر الى مواقف رفض او تعصب ضد بعض الطوائف او الدول. هذا الحذر والتنبه يجب ان يطالا جميع البرامج وان ينطبق بشكل خاص على مجموع برامج الحوار والنقاش او برامج التعبير الحر التي تؤمن لضيوف او لمشاهدين او لمستمعين الوصول الى الميكروفون«.
تنتهي الفقرة وتترك السؤال من هي الطوائف ومن هي الدول المقصودة بهذا التحذير؟
الطوائف؟ ربما كان لفرنسا، كما لاي بلد في العالم،الحق في ان تصون امنها الداخلي وسلامها الاجتماعي، وهي بالتالي تحرص على الا يترجم العداء لسياسة اسرائيل عداء للطائفة اليهودية في فرنسا وان يزداد بذلك الشرخ بين مسلمي البلاد ويهودها وسائر مواطنيها . لكن هذا يفترض، منطقيا، فصلا بين سياسات اسرائيل ويهود فرنسا، لا الدفاع عن الاولى حماية للثانين . اذ ان هذا الموقف يقر ضمنا بان يهود فرنسا جميعا ممثلون بالدولة العبرية والا لاكتفت الرسالة بالتنبيه الى »مواقف رفض، ضد بعض الطوائف« ولم تضف »الدول« اضافة الى ان اقتران الاسمين هنا قد جعل القصد يتوجه الى اسرائيل قبل الولايات المتحدة، التي يفترض ان تكون المقصود الاول بالكراهية، لانها هي التي تشن الحرب.
واذا كانت الرسالة المذكورة قد بدأت بعبارة: »ان التعامل الاعلامي مع صراع ما قد اصبح اليوم احد المعطيات الرئيسية في الصراع نفسه« لتكمل فيما بعد: »ومنذ الساعات الاولى لحرب الخليج اصبحت الصور والاخبار رهانا ستراتيجيا«.
فان السؤال البديهي التالي يصبح، بناء على ذلك:
هل كان احد الرهانات الستراتيجية الاساسية في هذه الحرب، وما يزال، هو عدم الكشف عن طبيعة الدور الاسرائيلي في العراق، وذلك لسببين: الاول هو تمرير الهيمنة الاسرائيلية الكاملة على بلاد ما بين النهرين تحت ستار الصمت، وذلك اسهل ولا يستدعي ردات فعل اوتنبه
والثاني هو عدم القاء الضوء في عيون بقية العرب، من مسؤولين شعارهم »ارجو عدم الاحراج!« ومن مواطنين يبدو من الرهانات الاساسية الان تحجيم نقمتهم لا مضاعفتها.