لكل دول العالم مشاكلها، لكن ما يميز المجتمعات المستقرة عن المجتمعات المتفجرة هو مسالة الولاءات، تلك التي تقع في جوهر القضية الوطنية، وفي اساس امكانية تفجير المجتمع نفسه وسهولة تفجيره .
في كل دول العالم المستقرة والمتقدمة هناك ولاء واحد للوطن يتقدم على الولاءات الاخرى للاثنيات و الاديان والطوائف، وفي الدول الاخرى المتخلفة تتعدد الولاءات وتتقدم كلها على الوطن بل وتحوله الى قطعة قماش تتجاذبها عدة اطراف لتصل الى تمزيقها
الم يكن ولاء شيعة العراق ، او جزء كبير منهم لايران متقدما على ولائهم للعراق؟
الم يكن ولاء الاكراد لكرديتهم متقدما على ولائهم للعراق؟
بالامس كان حامد البياتي يتحدث في ندوة على قناة الجزيرة عن موضوع الوضع القانوني للرئيس العراقي الاسير صدام حسين، وقد يكون من الطبيعي ان نسمع من رجل معارض موقفا اتهاميا ضد الرئيس الذي تتجه اليه معارضته ، لكن المسالة التي كانت ملفتة للنظر هي ان التركيز على مسالة دعم نظام حسين لمجاهدي خلق تقدمت على كل اتهام اخر ضد الرئيس ونظامه، و على كل ما يتهم به النظام العراقي ضد العراقيين انفسهم .والمفارقة الغريبة العجيبة المضحكة المبكية في الموضوع ان الرجل الذي يعيب على النظام العراقي دعمه لمنظمة ايرانية معارضة ، هو نفسه الناطق الرسمي باسم المجلس الاعلى للثورة الاسلامية، الذي تحدد توصيفه منذ انشائه بانه منظمة عراقية معارضة مدعومة من ايران، وتعمل على الاراضي الايرانية ، حيث شكلت هناك بدعم وتدريب وتمويل ودربت طهران قواتها العسكرية المعروفة بفيلق بدر.
وتماما مثل مجاهدي خلق جعلت صوتها الاعلامي ينطلق من اوروبا لتنعم بما توفره عواصم اوروبا من حرية وحماية… وربما من تواطؤ ضمني مع من يعملون ضد نظام غير مرغوب فيه ، مرة اسمه نظام ايات الله ومرة اسمه نظام صدام حسين.
لقد كان المجلس الاعلى للثورة الاسلامية النسخة الكربونية لمجاهدي خلق، على المقلب الايراني ولذا فان المفارقة الاكثر غرابة و الاكثر اثارة للانتباه والتحليل هنا هي ان الرجل لم ينتبه ابدا الى هذا التشابه ، ولم ينتبه الى ان اادانة الواحد تعني ادانة الثاني منطقيا .
بل ان الاغرب من ذلك ان المحاور المقابل الذي يفترض فيه ان يلتقط عثرات محاوره ويرد عليه ، سواء من باب القانون او السياسة او المناظرة ، لم ينتبه الى ذلك ايضا ، ومثلهما المذيع الذي يدير الحوار الخلافي .
ما الذي يعنيه ذلك ؟
مجرد قصور في الحوار ؟
لا ، بل ما هو اخطر من ذلك بكثير ، كثير .انها مسالة تشوه في الرؤية لم تعد تنتبه الى الشذوذ بوصفه شذوذا ولا الى الخطأ بكونه خطأ ، لنقل انها مسالة تطبيع مع الخطأ، تعودت ان تتقبل تقدم الولاء للطائفة او للعرق على الولاء للوطن، اذ ان المسكوت عنه، الكامن في اعماق حامد البياتي وكل من وراءه هو ان تعامل جماعته مع ايران كان مشروعا لان مشروعيته تنبع من شيعيته ، وبهذا الانحراف الاساسي يتشكل فارق وحيد بين المجلس الاعلى ومجاهدي خلق يبرر ادانة هذه الاخيرة دون الاول.
انها الولاءات القاتلة المدمرة، وانه لنموذج واحد منها .
بالامس كشف النقاب عن نزر يسير من وثائق حرب عام 1967 ، فهل سيكون علينا ان ننتظر ثلاثين عاما لنتبين اول الخيط حول وثائق الحرب على العراق؟
واذا كان كشف الوثائق الاولى لا يغير شيئا في واقع الاحتلال الذي نجم عن الحرب الاولى فهل سيكون الامر كذلك بالنسبة للكشف عن وثائق الحرب التي ادت الى الاحتلال الثاني ؟