ثلاثون بالمئة في السنة الاولى للانتفاضة ، وسبعون بالمئة في السنة الثانية….
هذا هو معدل تراجع السياحة الخارجية الى اسرائيل بحسب الاحصائيات الرسمية التي اعلنتها سفارة اسرائيل في العاصمة الفرنسية ، لكن السفارة نفسها اكدت ان المعدل عاد وارتفع قليلا هذا العام ، وعزا المحللون ذلك الى عاملين: احتلال العراق ، والتحركات التي تبشر بتهدئة الوضع في الاراضي المحتلة ، خاصة وثيقة جنيف وطبيعة الاحتفالية التي اخرجت بها حتى ولو انها لم تترجم عمليا على الارض.
الغرابة هنا لا تتمثل في هذه الحال النتيجة ، بل في تعامل الاعلام العربي معها، ففي حين تصدر الخبر الصفحات الاولى للعديد من الصحف الغربية ، لم نر الصحف العربية ، بل والاعلام العربي كله من مرئي ومسموع يركزان عليه اطلاقا، فاما التجاهل واما الذكر لماما وفي موقع غير ملفت ، واذا كانت الاحصائيات الدقيقة والتعليقات والتحليلات التي رافقت ذلك في الصحافة الغربية قد افضت الى امرين اساسيين : تاثير الانتفاضة الفلسطينية على الوضع الاسرائيلي ، وتاثير احتلال العراق على الوضع في المنطقة ، فان اعلامنا قد تجاهل ايراد ذلك ايضا.
ليست تلك هي المرة الاولى، وليس موضوع السياحة هو الاول الذي يغيّب ، فقد سبق وان اظهر الاعلام في الغرب ايضا تاثير الانتفاضة على الهجرة اليهودية الى فلسطين المحتلة والهجرة المضادة منها ، وعلى اوضاع سوق العمل في الدولة العبرية وتراجع التامينات الاجتماعية من رواتب الشيخوخة الى رواتب المتقاعدين الى سن التقاعد الى التامينات الصحية مما جعل المتظاهرين المعتصمين يحولون اسم ساحة السلام الى ” ساحة الخبز ” وكذلك على التجارة والصناعة وغيرها من المجالات الاقتصادية.
واذا كان المدرك لخلفية الدوافع الاعلامية يعرف ان وراء هذا الاعلان الغربي عن الوضع في اسرائيل ثلاث جهات : اما اوروبيون متعاطفون فعلا مع الحالة الفلسطينية ، واما من هم مؤيدون لليسار الصهيوني الذي يريد ان يظهر بان سياسات اليمين الشاروني قد قادت البلاد الى حافة الدمار وذلك تمهيدا للانتخابات القادمة ، التي يطمح اليسار ان تعيده الى السلطة ، وذلك ما لايتقرر داخل اسرائيل فقط لان ساحة الانتخابات الاسرائيلية هي العالم كله ، سواء من خلال اليهود الذين يحملون الجنسية المزدوجة في كل مكان والذين يملكون حق المشاركة في الانتخابات ، او بواسطة الضغوط التي يمكن ان تشكلها اليهودية العالمية على هذا الفريق او ذاك ، وحتى على الحكومة. واما اخيرا جهات تسعى من وراء هذا الاعلام ان تستدر عطف المساعدات الاقتصادية سواء عن طريق دفع اليهود الى التبرع ام عن طريق دفع الجهات الاخرى من حكومات ومؤسسات الى الدعم.
اذا كان الامر كذلك هناك ، فان السؤال الذي يطرح نفسه بالنسبة للساحة العربية هو : لماذا لا تريد الجهات الراسمة لاستراتيجيات الاعلام العربي ان تبرز ذلك؟
المتلقي هنا ، هو غير المتلقي هناك ، وبالتالي التاثير مختلف ، كما ان مزج الماء بالملح يعطي طعما مختلفا عن مزجه بالسكر.
وصول هذه الصورة الواقعية للمتلقي العربي ستؤدي في ابسط التحليلات الى امور ثلاثة :
مقاومة حالة التيئيس التي تثيرها المرحلة الحالية بعد احتلال العراق ، ومقاومة عقلانية حقيقية تستند الى الارقام والوقائع لا الى الانشاء والمشاعر التي لا تمر الا عبورا.
تصليب حالة التعاطف مع النضال الفلسطيني ، بل وتصليب الساحة الفلسطينية نفسها في وجه الانهيار الذي يمكن ان يؤدي اليه التيئيس.
احباط المقاومة في وجه الاحتلال الاميركي للعراق ، ضمن حالة احباط عامة تتجاوز الحدود العراقية وذلك ما ينتج عنه تلقائيا تمرير كل المشاريع التصفوية الاذلالية على جميع الساحات العربية وعلى جميع الاصعدة : من سياسية الى اقتصادية الى ثقافية الى نضالية. وتبرير جميع الذين يحملونها او يسوقونها او يوافقون عليها.
انه لب الحرب المعنوية النفسية التي تؤسس للحرب العسكرية وترافقها وتتبعها لتحقيق اهدافها.