بانيه سجينه !…

صحيفة الدستور، 11-01-2004

لم تعد اسرائيل تلك الواثقة الواضحة الستراتيجية والطريق ، لم تعد سياساتها الداخلية تلك المنسجمة المتناغمة في اتجاه واحد !

والمفارقة ان ذلك يحصل على الصعيد الداخلي في الوقت الذي تتأمن لها فيه على الصعيد الخارجي فرصة تاريخية لم يسبق لها مثيل سواء من حيث انهيار الجبهة العربية المقابلة ، او من حيث تسلط حليفتها الاميركية على العالم ، والتماهي الكامل بين الدولة العبرية ودولة المحافظين الجدد.

ملاحظة لا ينسجها الخيال الحالم بقبس نور يخترق هذا الظلام العربي الدامس ، ولا رغبة غير واقعية بتحويل التمنيات الى وقائع ، بل متابعة علمية تدقيقية استشرافية لما يصدر من تقارير ودراسات ومعلومات عن الاوضاع الاسرائيلية الداخلية ، اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا ، وملاحظة متأنية لتراجع واضح على صعيد التأييد الخارجي ، واخيرا تتبع التصريحات والحوارات التي يدلي بها مسؤولون اسرائيليون حاليون او سابقون.

مثال على ذلك حديث ادلى به مدير سابق للشين بيت ،لصحيفة لو فيغارو الفرنسية وباسم ثلاثة من نظرائه ، حول الجدار العازل ، اختتمه بالقول: »دون ان نلتقي وان ننسق وصلنا جميعا الى النتيجة نفسها وهي ان السياسة الحالية تسير باتجاه عكس الذي نريده ، نحن والحكومة ايضا ، اذ لا يمكن ان نتصور ان الحكومة تريد دمار اسرائيل ، نحن لا نريد ان نحل محل الحكومة لكننا نريد ان نقنعها بانها تقودنا الى الدمار ، الى كارثة سياسية.

لا يمكننا ان نستمر كذلك ، نحتاج الى بارقة امل الى استراتيجية وهما غير موجودتين. نريد ان نعرف ماذا نريد وعلينا ايجاد الطريق لا اتخاذ تدابير تؤدي بنا الى اتجاه معاكس«.

هذا الحوار جاء قبل يومين من تصريح مسؤول اخر وصل حد تشبيه سياسات اسرائيل بسياسات الفصل العنصري في جنوب افريقيا ، مما يعني بالنتيجة المنطقية توقع نهاية اشبه بنهايات تلك السياسات.

صدفة جعلتني اقرأ على التوالي حوارا مع صخر حبش بمناسبة ذكرى تاسيس فتح ، وحوار رئيس الشين بيت السابق المذكور ، لاجد نفسي وقد تملكتني مفاجاة تدفع الى الكثير من التأمل ، مفاجاة من ذلك النوع الذي يكشف لك امرا كان امامك لكنك لم تكن تنتبه له : الوضوح الكامل البسيط في تحديد الاهداف والمواقف في حوار حبش ( اتفقت معه ام لم تتفق ) والثقة الكلية بالمستقبل رغم كل الحاضر الصعب ، تلك الثقة النابعة من الايمان الحقيقي.

في مقابل الغموض الكبيرفي الحوار الاخر ، والتساؤلات التي تلف المصير والاستراتيجية وتبحث عن الطريق والاتجاه في تخبط واضح ، والقلق المتراقص فوق كل حرف ومع كل نبرة حول الوجود والبقاء بحد ذاتهما، وحول توافق المسلك السياسي معهما.

وامام ذلك تبرز في البال مقارنة تفرض نفسها بين هذا الوضع اليوم وبين ما كانت عليه الحال قبل تحول الحلم الصهيوني الى دولة على ارض الواقع : يومها كانت المعادلة مقلوبة : الهدف الصهيوني واضح ولا جدال حوله ، والطريق واضحة والثقة مطلقة ، في حين كان الفلسطينيون يتخبطون في امرهم.

فهل سيكون هذا الانقلاب الحالي بداية النهاية؟

هل سيكون مصير الجدار ككل الجدارات التي عرفها التاريخ من اعظمها ، ذاك الذي احاط بالصين الى اصغرها ، ومن سور اسبارطة الى جدار برلين. كلها تجسيد للخوف بالحجر والطين ، تجسيدا يجعل من بانيه سجينه ، ويتركه يضمر خلفه الى ان يسقط هو وجداره معا؟

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون