لصباح الاحد تسامحه مع دفء السرير واسترخائه.. حتى ولو لساعة او بضعها تعرف ان عليك بعدها ان تنهض الى تحضير اسبوعك المكتظ بالعمل والسعي في مدينة لا ترحم الكسالى او حتى المتباطئين .
والمذياع قد يكون زائرا مناسبا يمنحك الاحساس بالرفقة دون ان يفرض عليك موجبات الحضور البشري .
برنامج خاص عن ليوبولد سينغور، ساعة كاملة، كلام للرئيس الشاعر وكلام له، وقصائد تنثر حولها رذاذا من وجدانية عالية، شفافة وراقية تميز هذا الرجل الذي ولد لاب ارستقراطي قبلي كبير، متعدد الزوجات وام من طبقة فلاحية متوسطة، في سنغال تنسب الولد الى طبقة امه لا الى طبقة ابيه .
انتماء لامراة ليست الزوجة الوحيدة، لكنها الام الوحيدة ، ولبيئة زراعية تجعل من الارض اما اخرى لا تقل تاثيرا وغلاوة .
تربة خصبة لخيط من حنان، لثان من غنائية الفلاحين، وثالث من تحدي اثبات الذات…تحد ربما كان هو ما حمل الشاب الى فرنسا، الى ثقافتها، ليضعه امام تحد جديد، اثبات الذات الاكبر امام الاخر الاكبر…. وينجح الشاعر المفكر في التحديين، ومن رئاسة السنغال الى الاكاديمية الفرنسية، يقف امام امه المراة ليقول : ها انا الابرز بين اخوتي، وامام امه السنغال ليثبت بدخوله، هو الاسود الفرانكفوني الى اهم صرح ثقافي نخبوي مقدس لدى الفرنسيين، اهلية شعبه ولونه وبلاده . وعلى امتداد الرحلة كلها يركب المزارع حصان الشعر وفي قلبه صور يخزنها ولا يشرعها الا على راية قصيدة : بدءا من وجه امه الى وجه امراة احب واصر على ان يرى في سواد بشرتها معنى الغموض، غموض لا تملكه من يفضحها بياضها ويفقدها السحر.
»يا امراة سوداء !
يا امراة الغموض والسؤال !
ارى في عينيك انهار بلادي وغاباتها الاستوائية العذراء اللاهبة«.
وهكذا الى وجوه الطبيعة السنغالية بانهارها وغاباتها وقراها وشوارعها التي تزخر قصيدته باسمائها واوصافها.
و… قصيدة اخيرة !
لماذا هذه ؟ كانها موجهة لي وحدي، او لمن هم مثلي :
»انا عطش للرحيل ..
عطش للجديد وللرحيل .
لكنني لا اريد غرف الفنادق ..امي تنزف قلقا وضجرا ..
كان لابد من الابتعاد عن الازقة
لتجنب قبضتها الحنونة والخانقة ..
لكنه طيف القرية ما يزال يلوح في البعيد ..
وانا اخلط الطفولة بالعمر، الحياة بالموت ..
وجسر من الهدوء يربطهما … «
مقاطع من قصيدة بعنوان : »انه وقت الرحيل «
انهض، ابحث عن طيف القرية البعيد، افتح الانترنت على موقع جريدة الدستور، اراء وتعليقات حيث سأجد الجميع، افاجأ بعنوان باسم سكجها »خيري وحياة « ما الذي قوله لي باسم هذا الصباح ؟
اغرب المفارقات ؟
هل كنت متواطئا مع ليوبولد سنغور او مع اذاعة فرنسا الدولية، ام اننا جميعا متواطئون انت وانا وخيري وسنغور وكل من يشبهنا؟