حرصا على مصر

صحيفة الخليج، 19-01-2010

من الذي جعل الكونغرس الاميركي وصيا على اقباط مصر ؟ وكيف تسمح الحكومة المصرية باستقبال اجانب للتحقيق بشان مواطنين مصريين؟غير ان ذلك لا يعني ان مسالة الاقباط يجب ان تظل مخفية تحت السجادة، حيث ان ثمة جهات خارجية تعمل منذ سنوات طويلة على جعلها مشكلة اشبه بمشكلة اكراد العراق او امازيغ الجزائر او موارنة لبنان. يجب اثارة القضية ولكن بهدف التوعية وتصويب الخط، او بالاحرى اعادته الى الخط الذي جعل مكرم عبيد يقول يوما: ” اذا كان الانكليز قادمين بحجة انقاذ الاقباط، فليمت الاقباط ولتحي مصر”.

غير ان ذلك لا يعني ان مجرد رفض التدخل الاجنبي يحل المشكلة، بل ان ذلك يجب ان يترافق بترتيب البيت المصري من الداخل. واذا كانت  شاشة الجزيرة تبدو مهتمة هذه الايام بموضوع الاقباط، بحيث تخصص لها اكثر من موضوع، منه  الحلقة من برنامج الملف لسامي كليب، فان الحذر الشديد في كيفية المقاربة المسؤولة  هو المطلوب. خلقة الملف قدمت لنا اكثر من زاوية لرؤية المسالة، و تركت لنا ان نرى بوضوح حجم التازم، وخطورة المازق الذي يتراكم منذ سنوات طويلة ولا تتم معالجته الا بالاهمال والتستر.

فمنذ سنوات طويلة ونحن نصرخ في واد، منبهين الى خطورة ترك المسيحيين العرب عرضة للاستدراج من قبل المعسكرات الغربية المرتبطة باسرائيل، بل من دفعهم الى ذلك عبر عدم تبني مفهوم المواطنة الذي يساوي بين الناس في اطار دولة القانون، لمجرد كونهم مواطنين وحسب. ومنذ سنوات ونحن نصرخ بان الخطاب الديني على اختلافه هو اشبه بالاواني المستطرقة، لا يرتفع منسوب السائل في احدها  الا وارتفع في اخرى. وان اكثر من يصفق لذلك هي اسرائيل وبعدها الغرب.

منذ سنوات ونحن نصرخ اننا بحاجة الى صيغة علمانية، تحترم الاديان، والحرية الدينية، والمكون الديني الثقافي لهذه الامة التي لم ينكر مفكروها الكبار يوما انها عربية – اسلامية منذ ثلاثة عشر قرنا، غير ان ميزتها الكبرى، انها عرفت ومنذها كيف تستوعب وتهضم المراحل السابقة من حضارتها.

ومنذ التسعينات تحديدا ونحن ننظر مفجوعين الى المخطط الذي بدا في العراق، ولن يقتصر عليه.

فغداة الاحتلال عام 2003 خرجت الصحافة الاسرائيلية بمانشيت هو اكبر من شعار، انه ستراتيجية كاملة انتهجها البرنامج الصهيوني  على الارض العربية، وجعلت من مشروعه  قاربا يسير بمجذافين واضحين: الخارج، مرة اوروبا ومرة الولايات المتحدة، والداخل عبر مكوناته الطائفية والعرقية واخيرا المذهبية.

واذا كانت قصة ذريعة الحماية، كمدخل للغزو الاحنبي، اما بالاحتلال المباشر واما باثارة الحروب الاهلية، تمتد في جذورها حتى الغزوات الصليبية، فان ظواهرها الحديثة المرتبطة بوجود اسرائيل، تكتسي بعدا اضافيا، هو ان الدولة الغاصبة التي اقيمت على اساس ايديولوجيا دينية بحتة، لا سند لها الا الادعاء بوعد الهي، ولا مكون مواطنة لديها الا الانتماء الى اليهودية، هي دولة غير قابلة للحياة في محيط يتبنى مفهوما اخر للدولة وللحق وللمواطنة. خاصة عندما يكون هذا المحيط، ونتيجة سيرورة التاريخ والجغرافيا هو مجتمع متعدد بامتياز بين كل مجتمعات العالم. فالتاريخ الالفي البعيد، والموقع الجغرافي – العقدة، جعلا منه بؤرة تعددية  متميزة، لياتي  نزول الاديان السماوية كلها على ارضه، التي شهدت تطور الاديان المذهبي، ليجعل منه ايضا صورة مصغرة لكل المكونات الدينية المعروفة. وعبر عصور طويلة تمكنت هذه المكونات من الانصهار الكامل مكونة شعبا واحدا يبني حياته ويخوض معاركه الحضارية والعسكرية، بكل مواطنيه. وبهذا تشكلت الهوية الوطنية للدولة، بناءا على الخط الثقافي الممتد الفيا، دون انقطاع، على الارض نفسها، وتشكلت خصوصية                      هذا الخط عبر تفاعل الانسان مع الارض عبر كل هذه الاحقاب.

هذا الواقع، هو الاساس الصحيح الذي تقوم عليه اية دولة متحضرة، لكنه، وذلك هو الاهم، الاساس الوحيد الذي يمكن ان يؤمن السلم الاهلي ووحدة الوطن. ولذلك فان ارساءه هو ما تحتاجه اية دولة في العالم، والا تعرضت للتفجر الداخلي والتفكك.

غير ان الاستثناء الوحيد له، هي اسرائيل، لانها لا تملك الا الرابط الديني، في حين تفتقد الى الخط الثقافي الممتد، وتفتقر الى شرط حصول هذا الامتداد على الارض الواحدة، والى امكانية قبول التعددية داخل كيانها. وليس من ضمانة حالية ومستقبلية لبقاء اسرائيل في هذا المحيط، حتى في حال تمكنها من التوصل الى سلام وتطبيع مع جيرانها، الا ارساء حالة شبيهة بحالها داخل كل قطر من الاقطار المحيطة بها. لذلك فان اي خطاب ديني، او مذهبي، او عرقي، هو خدمة من الدرجة الاولى لاسرائيل وليس لسواها.

ولكي لا نمارس سياسة النعام، فان علينا ان نعترف ان نمو هذا الخطاب وترجمته الفعلية على الارض، قد تنامى بشكل جنوني بعد سقوط العراق، سقوطه ليس فقط تحت الاحتلال وانما ايضا في فخ التقسيم الطائفي والمذهبي والاتني بابشع صوره. واذا كان تناميه المذهبي السني والشيعي هو ما يهدد عددا كبيرا من الدول العربية، فان تناميه الاسلامي المسيحي هو ما يهدد مصر بالدرجة الاولى. ولا ينفع بلاد الكنانة تجاهل الحالة باي شكل، كما لن تنفعها فيه اقراص المسكنات التي لجات اليها حكومة حسني مبارك مؤخرا.

المسالة بحاجة الى حل جذري، يتمثل في العمل الواقعي الحثيث على ارساء مفهوم المواطنة بكل مستحقاته الحقوقية، سواء عبر اشتراع القوانين الاصلاحية او عبر  التنسيق الاعلامي والتربوي الذي يؤدي الى حصول هؤلاء المواطنون المصريين على كامل حقوقهم كمواطنين.

كي ينتصر مكرم عبيد على جاد  العميل  الذي خرج من مصر الى اروربا مسلما وهناك تحول الى الى المسيحية، وراح يقود حملة لتحريض  اقباط المهجر ضد بلادهم.

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون