وفد الكونغرس الاميركي يحتج على كون رئىس الوزراء الفلسطيني لا يتصرف بدون الرجوع الى الرئىس عرفات.
والولايات المتحدة تقول انه »يتوجب« على الجامعة العربية ان تؤيد مجلس الحكم المعين في العراق.
الصلافة هنا ليست فقط في هذا الـ »يتوجب« الذي لا تمليه الادارة الاميركية على دولة، بل على منظمة اقليمية تمثل عددا من الدول تحمل اسم »العالم العربي« وانما هي في هذا التجاوز الغريب لاي عرف ديمقراطي، سواء بمعنى الديمقراطية الشعبية الداخلية ام بمعنى الديمقراطية الدولية.
ان تفرض ابسط مبادىء الاولى، التعاون بين رئىسي السلطة التنفيذية، ورئىس الدولة، كما تفرض ابسط مبادىء الثانية عدم تدخل دولة في قرارات الدول الاخرى المتمتعة بالسيادة في اطار الاسرة الدولية.
الاسرة الدولية.. ألم يصبح هذا المصطلح مضحكا؟
واذا كان تشكله بعد الحربين العالميتين قد جاء ليعكس رغبة في اشاعة نوع من معاني السلام والتعايش الدوليين، فان عدم نشوب حرب عالمية ثالثة خلال نصف قرن، لم يمنع نشوب عدد هائل من الحروب الاقليمية والاهلية، التي لو حاولنا جمعها، واحصاء ضحاياها، وتحليل سياقاتها، لاكتشفنا ان هذه »الاسرة« لم تكن الا قناعا لتشظ دام لا يعكس الا وحشية عطش للهيمنة لا يروى الا بالدم.
غير ان شيئا ما، محدودا من المبادىء، ظل يستعمل في ظل التوازنات الدولية للحفاظ على حد ادنى من اسس التعايش واحترام الاخر، اضطرارا، الى ان اختلت التوازنات، فسقطت المبادىء، وكان سوء حظ البشرية كلها ان يأتي هذا الاختلال لصالح قوة هائلة في ضخامتها وجبروتها، ضحلة في تاريخها ومبدئيتها وارثها الانساني، لم تقم اصلا الا على ابادة كاملة لسكان اصليين مسالمين، ولم تستقل الا بفعل رغبة الفرنسيين في الانتقام من الانكليز.
ويزداد الامر تفاقما عندما تكون الفئة المسيطرة على قرار هذه القوة، هي من اصحاب العقليات المتحجرة في محافظتها، والمتفجرة في جشعها اللامحدود لابتلاع ثروات العالم.
ليبلغ ذروة البؤس مع خضوع ذلك كله للوبي يهودي صهيوني ومتصهين، لا يرى في سكان الارض كلها الا وقودا رخيصا للحلم الصهيوني المتلخص في تهويد اسرائيل للمنطقة والانطلاق منها للسيطرة على العالم.
ازاء هذا الشعار الاعلى تسقط جميع المبادىء، وتعلو قرقعة حجارة القانون الدولي. وبعد سقوط العراق لا تجد واشنطن ضرورة للابقاء على الحجاب اولستر صوت القرقعة.
وترجمة لذلك، لا تجهد نفسها في التستر على مطالبها بتخريجة ديبلوماسية. فاذ الاملاء المباشر والواضح.. يجب ويتوجب ولا اعتبار لادعاءات الديمقراطية.
لكن.. مستوى الاملاء يتناسب مع مستوى الضعف.
والقوة التي تبدو عظمى، تعيش اليوم اعظم مآزقها، وكلما غرقت اكثر في المستنقع العراقي، ارتفع منسوب المستنقع الدولي التائق الى استعادة التوازن، والمتوثب كل طرف فيه للدفاع عن مصالحه ونفوذه.
من هنا، يمكن لكل من لم يصبه عمى الجبن وصمم الخنوع ان يرى مأزق الجبار ويسمع استغاثته الموجهة تارة الى الامم المتحدة التي احتقرها بالامس، وطورا الى اوروبا التي شتمها ونعتها بالعجوز، راجيا المساعدة بارسال قوات الى العراق.
واذ لم تأت الاستجابة الا مشروطة ومتشددة، فان الطرف الذي تفترض فيه واشنطن الاستعداد الدائم لخدمتها هذا »العالم العربي« البائس. لذلك تصرخ به، بما لم تستطع ان تمليه على الاخرين: »يتوجب« عليكم ان ترسلوا الشباب العرب ليقتتلوا مع العرب العراقيين، حماية للاحتلال الاميركي. وان ترسلوا رسائل التأييد للعملاء الذين عيناهم شهاد زور على اغتصاب البلاد ونهبها.