:وثيقة جنيف: تنازل ومهرجان انتخابي!!

صحيفة الدستور، 03-12-2003

الرواية تقول ان اليكسيس غيرل هو صاحب فكرة عقد المفاوضات السرية لاستسقاء وثيقة حنيف، ومطر جنيف كان مطلبا مزدوجا في هذه الفترة لاسرائيل، وللتحالف الاميركي – البريطاني:

لماذا؟

لان اسرائيل على…حافة الانهيار الاقتصادي والاجتماعي، وعلى حافة سكين توقف الهجرة وتفعيل الهجرة المضادة، لا بحسب ما نقوله نحن الحالمين، بل بحسب ما تقوله صحافتها والصحافة ومراكز الابحاث ا لغربية. ويكفي على سبيل المثال البعيد عن الحصر، مراجعة دراسة بحثية علمية نشرتها في الشهر الفائت صحيفة لوموند ديبلوماتيك الفرنسية،حول الموضوع، مستندة الى المراجع الاسرائيلية ..

اما الولايات المتحدة وبريطانيا فاحوج ما تكونان الى أي انجاز ولو شكلي واحتفالي ومن شانه ان يذهب الى الادراج (على حد تعبير حيدر عبد الشافي في تعليقه على الوثيقة) الى مظهر انجاز يحقق هدفين ملحين:

الاول هو التغطية داخليا ودوليا، على الفشل الذريع في العراق، والذي يتدحرج يوما اثر اخر ككرة الثلج.

والثاني هو امتصاص قدر من الكراهية المتفاقمة في العالم العربي كله والتي بلغت حدا لم تبلغه سابقا، خاصة ضد اميركا لان التحرك الشعبي البريطاني يجعل مشاعر الحقد العربي تتجه الى طوني بلير لا الى بلاده جملة، في حين ان لا تمييز بالنسبة لاميركا، خاصة وان الجميع يعرفون ان بلير ليس اكثر من دمية تابعة للاميركيين.

وكما جاء مؤتمر مدريد ومحادثات اوسلو بعد حرب ،1991 في خدمة الاهداف نفسها ولم يحققا شيئا الا مزيدا من الموت والدمار والعذاب للفلسطينيين، وخطوة خطيرة على صعيد التنازلات امام اسرائيل، فان هذه الوثيقة تاتي الان لتصب في السياق ذاته، وتشاء الصدف ايضا انها تاتي على باب مرحلة انتخابية في الدول الثلاث يبدو اصدقاء مهرجان جنيف كلهم مهددين فيها بالفشل، فاليسار الاسرائيلي بحاجة الى انجاز يواجه به معركته مع ارييل شارون الذي يقدم نفسه للراي العام وكانه الحامي الوحيد من الارهاب.

والادارة الاميركية الحالية تشهد كل يوم عبر استطلاعات الراي تراجعا مخيفا في شعبيتها، وهو تراجع سيستمر دون شك مع تنامي عمليات المقاومة العراقية وانهيار اليانكي الذين جاؤوا ليعودوا الى حبيباتهم وامهاتهم بورود العراق، فاصبح على هؤلاء ان يشترين الورود للنعوش العائدة، او للمنهارين في المستشفيات النفسية، ولن يكون من شان الجنون الاجرامي الذي يدفع بهؤلاء الجنود وقياداتهم الى ارتكاب مجازر عشوائية من سامراء الى الفلوجة الى الموصل، او الى تصدير اعلانات هوليودية عن ارقام من تمكنوا من قتلهم، الا وان تضاعف المازق!.

ويكفي لتمثل هذا المازق ان نتبين الخيارين: اما هذا الاجرام الاحتلالي واعلان مبالغات في القتل والضحايا، أي رفع معنويات الجنود ولكن مضاعفة الكراهية، واما العكس: امتصاص الكراهية وهبوط المعنويات واخيرا طوني بلير الذي لا يمكن ان يحسده احد على ما آل اليه وضعه السياسي الشعبي في بلد ديمقراطي كبريطانيا.

هكذا وكما الديك الرومي على طبق عيد الشكر الاميركي، جاءت وثيقة جنيف، وجاءت الاحتفالية الكبرى بها، لكانها مهرجان انتخابي كبير لصالح بلير وبوش واسرائيل. (ولنتذكر على سيرة عيد الشكر انه ليس عيدا دينيا مسيحيا كما يحاول تصويره، وانما عيد يحتفل بشكر »الله« على تعاون جزء من الهنود الحمر مع المستعمرين البيض الاوائل)

واذا كان الثري اليهودي السويسري الكبير قد سحب دفتر شيكاته ليدفع تكاليف استضافة المتفاوضين في فندق في جنيف، ثم في فيللته الخاصة، تكاليف تضمنت فيما تضمنت »مبلغا دس في جيب كل من المتفاوصين للمصاريف الشخصية« كما قالت الانباء، (التي لم يسربها دون شك، من اخذوا مصروف الجيب كاطفال مطيعين) فان الذي دفع الثمن الاكبر هو هذا الشعب الفلسطيني الذي سفح حقه التاريخي في العودة، وحقه الاخر في ازالة المستوطنات، اذ نصت الوثيقة على ازالة »بعضها« مما يعني بقاء البعض الاخر. وازالة نصف القرار 124، بالابقاء على التعويض واهدار الحق.

واخيرا حتى في اخراج المهرجان: كان الموقعون من الطرف الفلسطيني يمثلون السلطة، أي جهة رسمية بينما لم يكن للموقعين الاسرائيليين اية صفة رسمية، مما يعني التزاما رسميا تمثيليا هنا دون أي التزام رسمي هناك.

يبقى ان اليكسيس غيرل الذي مول الاجتماعات، هو مالك الكثير من الشركات المتضررة من تاخير الاستثمارات في العراق…..

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون