وبعد!

صحيفة الدستور، 27-07-2003

كذب بوش ام ديك تشيني، غرر بهما توني بلير ام غررا به، جاءت المعلومات الكاذبة من المخابرات البريطانية أم الايطالية كما قالت بعض التقارير.

ادى ذلك كله الى سقوط الجمهوريين والعمال وعودة الديمقراطيين والمحافظين..

غرقت الولايات المتحدة وبريطانيا وحدهما في الرمال المتحركة العراقية، أم هبت اوروبا لمساعدتهما، لقاء ثمن المشاركة في الكعكة.

اقتنع العرب بأن موقف صدام حسين كان السد الاخير في وجه الطوفان الاسرائيلي ام تلهوا بما تمطرهم به وسائل الاعلام من حرب نفسية غذاؤها عنصران: نقاط الفساد الكثيرة التي كانت في النظام العراقي، وقدرة الاعلام على الصياغة والفبركة والاخفاء والابراز وخلق التأثير المراد.

كله سواء!

يقول المتشائمون.

فهل سيعيد انكشاف اية حقيقة الى العراق سيادته، وثرواته، ومستقبله.. هل سينتشله من غياهب القرون الوسطى التي دفع اليها، وغرق فيها؟

هل سيعيد تحف التراث الانساني التي دمرت او سرقت من متاحفه ومكتباته وجامعاتها ودور مخطوطاته وكل ما وصفه سبعة صحافيين من سبع جنسيات غربية اعدوا تقريراً مشتركاً، بقولهم: »لقد اثرت سرقة المتحف فينا أكثر من سرقة المستشفيات.

ولكن هذه الميزوبوتاميا، مهد حضاراتنا كلها ستشهد انبعاثاً عجائبياً«؟

هل سيتمكن من غسل هوائه ومياهه وتربته من التلوث النووي والكيماوي الذي لم ينتج عن اسلحة الدمار الشامل العراقية، بل عن اسلحة الموت الاميركية، الموت بأي ثمن؟

هل ستأتي الى العراق بمن يقوم بنبش المقابر الجماعية لعشرات الآلاف من العسكريين والمدنيين الذين قتلتهم وتقتلهم القوات الغازية؟

الاساس ان ما حصل قد حصل، وان الهدف الاساسي المتمثل في كلمتين لم تتغيرا منذ عقود: اسرائيل والنفط، قد تحقق.

بل ان ما يتعلق باسرائيل هو الاكثر تحققاً، لأن اشكالات امنية وتقنية ودولية كثيرة ما تزال تحيط بموضوع النفط.

اما من يريد التذاكي، وتلبس التروي التحليلي، فله ان يعود الى التصريحات المشتركة لوزيري خارجية اسرائيل والولايات المتحدة يوم الخميس الفائت، لتصفعه صراحة القول بأن صدام حسين كان يخيف المهرولين الى الحضن اليهودي، ووقاحة شالوم في القول: »على القادة العرب ان يبادروا ويسرعوا الآن الى اقامة سلام مع اسرائيل«.

انطلاقاً من هذا البعد الاقليمي تتضح كثير من الابعاد الدولية، فاللوبي الصهيوني الذي حكم قرارات بوش والادارة الجمهورية، موجود ايضاً في صفوف الديمقراطيين وقياداتهم، وفي صفوف المحافظين البريطانيين، وفي هيكلية الكثير من البنى الاوروبية.

لذلك فان اثارة هذه الضجة الفضائحية حول عدم مصداقية القيادات التي نفذت الحرب، هو من باب استبعاد اوراق محروقة، واستبدالها بأخرى صالحة لأن تنفذ مرحلة ما بعد الحرب. مع ما يؤمنه ذلك من حاجة ملحة الى امتصاص الغضب والحقد العربيين وحتى العالميين.

فها هو المذنب قد عوقب، وها هي الديمقراطيات الغربية النموذج تغسل يدها من ذنب العراق وتمسحه بلحية طوني بلير وجورج بوش، وتستحق بذلك شهادة في المثالية تسهل الطريق امام شركاتها لاستثماره، وتقدمه على صينية السلام الاسرائيلي هدية ولا أثمن للصهيونية. التي بدأت دوائرها، ومنذ الأيام الاولى للحرب، تطالب علناً من كانوا يدعون »المعارضة العراقية« بتنفيذ تعهداتهم للصهيونية العالمية. ولا تتورع رابطة الدفاع اليهودية، التنظيم الأكثر تطرفاً، عن توجيه رسائل الكترونية تطالب فيها هؤلاء ممن تسميهم »صناع الحرية« وتعددهم بأسمائهم بما تعهدوا به ووصل حد منح الجنسية المزدوجة ليهود اسرائيل، ذوي الاصل العراقي.

ولعل من أبرز الدلائل على طبيعة الدور اليهودي الصهيوني، هو بروز اسماء رئيسة في هذا اللوبي خلال مرحلة الاعداد والدفاع للحرب من مثل بول وولفويتز وريتشارد بيرل وغيرهما، واختفاء هذه الأسماء من الحديث عن فضيحة الكذب والتزوير الآن. فأين ذهب الاول الذي كان يلقب بـ »صاحب هاجس العراق« ولماذا استقال الثاني مع بداية الحرب وهو مهندسها؟

ولماذا لا تؤدي بنا الحسابات، كيفما قلبت إلاّ الى رابح واحد: اسرائيل؟

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون