هدفان متوازيان

صحيفة الدستور، 10-05-2003

بعد توقيع اتفاقيات كامب ديفيد صرح بيغن قائلا: »مهما حصل من اتفاقيات فان الصراع بين الحضارتين العربية واليهودية سيظل قائما الى ان تنتصر احدى الحضارتين«.

هل يعني البدء ببيغن اقامة تماه كامل بين الاميركيين واليهود او بين الحضارتين؟

لا، لكن الواقع ان الفريق الاداري المحيط بالرئيس الاميركي والمسيطر على القرار هو فريق مكون من اليهود، بل ومن اكثرهم تشددا، ومن المحافظين الجدد الذين هم اكثر يهودية وصهينة من اليهود انفسهم، ومن اولئك الذين يسمون انفسهم مسيحيين وهم ابعد ما يكونون عن المسيحية، لانهم يشكلون خطا صهين المسيحية وابعدها عن قيمها واسسها، يجعل من الاهداف الثقافية والايديولوجية تتصدر الاهميات بحيث لا تتراجع عن الاهداف السياسية والاقتصادية .

فالعراق هو الحامل في بنيته السياسية والايديولوجية لمكونين اساسيين يلخصان كل تشكيلاته الفكرية : اما العلمنة (والعلمنة على الطريقة العربية او البعثية، اي تلك التي تفصل الدين عن الدولة، لكنها من جهة اخرى تعتبر الاسلام هوية حضارية للامة)، كما انها لاتتنكرابداللمكونات الاخرى في تاريخ العراق السحيق وامته من مراحل قديمة سبقت الاسلام وبنت حصتها في المدماك الحضاري الشاهق .

واما الخط الديني وهو خط اسلامي على اختلاف مذاهبه .

هذان المكونان يتناقضان بشكل اساسي مع البنية الايديولوجية والثقافية للادارة المذكورة، كما يتناقضان بشكل اكثر اساسية مع العقلية اليهودية الصهيونية . وعليه لابد من عملية تدمير وتشويه وتحوير وتغريب منظمة .

كما ان علينا الا ننسى ان المضمون الثقافي العراقي والعربي يتعارض في عمقه مع ايديولوجية المنفعة التي يقوم عليها الفكر الامريكي المحافظ والتي ترجمت نفسها بتبني بوش لمبادىء ريغن الليبرالية الرأسمالية والتي تقوم اساسا على مبدأ ان دعم رأس المال وزيادة ارباحه هي الوسيلة الوحيدة لتحقيق النمو الاقتصادي، مع ما يتضمنه ذلك من اهمال للقيمة الانسانية الفردية، ولتعميق الفوارق الطبقية .

اضافة اخيرا، وليس اخرا الى ان الثقافة اليهودية لا يمكن ان تحقق تهويد المنطقة الا بتهويد العقول والقلوب .

وعليه جاء تدمير المتحف العراقي ونهبه واحراق المكتبة الوطنية ومكتبة المخطوطات متزامنا، ومنذ الساعات الاولى للاحتلال مع حماية وزارة النفط، لكأنه توزيع حصص متفق عليه : لكم النفط ولنا تدمير حضارة يمتد حقدنا عليها من نبوخذ نصر الى صدام حسين .

والذين يذكرون قصة المؤامرة الرهيبة التي تعرضت لها مومياء رمسيس الثاني، حتى اذا نجحت في اخراجها من مصر كان اول من زارها في فرنسا رئيس الوزراء الاسرائيلي، ليبادرها قائلا : ها نحن التقينا اخيرا يا رمسيس !!

في اشارة الى الانتقام من الفرعون الذي ينسب اليه طرد اليهود من مصر، – الذين يعرفون ويذكرون ذلك لا بد وان يقارنوا بحجم الحقد على بلاد ما بين النهرين، بل وعلى الواحها من الطين والاجر التي تحمل اساطير التوراة بلغات غير العبرية وتعود لعصور تسبق توراة اليهود بمئات بل والاف السنين .

انها بداية الانتقام الذي لن يعرف نهاية ولن يكتفي بتدمير الماضي والحاضر فقط، فيما يقف المذهولون والخائفون والخونة متفرجين.

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون