نحتاج الاحتلال

صحيفة الدستور، 31-07-2003

هل سنحتاج جميعا للاحتلال لنصبح مقاومين؟

هل نحن امام حتمية معاناة الاذلال لنفهم معنى الكرامة؟

هل سنفعل كالكثيرين من المحبين غير الاسوياء، الذين لا يقدرون قيمة الحبيب الا متى فقدوه، فاذا نحن مع الوطن قساة، وجاحدون، وانانيون، الى ان يأخذه منا الاخرون عنوة، فنبثه الى غلاوته، والى ما نحن بدونه او بدون الحرية في امتلاكه، ونروح نغوص بدمائنا وأرواحنا؟

هل كان العراقيون بحاجة الى ان تدوسهم بساطير الاميركيين واليهود ليصبحوا كما اهل فلسطين وجنوب لبنان؟

ولكن..

اهو ذنب الناس البسطاء.. هؤلاء الذين هم ما هم في كل اوطان البشر؟

ام هو ذنب تلك القيادات، التي لا تنقسم الا بين من هو في السلطة ومن يحلم بها؟

لكن.. وايضا.

في كل دول البشر ثمة من هو في السلطة ومن يحلم بها، ثمة حكم ومعارضة، معارضة تسعى بكل قواها الى ان تصل للحكم..

لكن.. ايضا وايضا..

الفارق بيننا وبين كل هؤلاء ان لمعارضتهم مشروعا، ولحكمهم مشروعا، وهما مشروعان معلنان وواضحان، وللناس، الناس البسطاء، وغير البسطاء ان يختاروا بينهما، عبر صندوق صغير، حاولنا نحن ان نقلده – تمشيا مع روح العصر – فجاء تقليدنا كاذبا واكثر قمعية واحادية وشمولية من عدمه.

ببساطة، لان الورقة التي تسقط فيه هناك، تسقط من يد تمتلك كامل حقوقها كانسان وكمواطن، وقدرا كبيرا من حقها في وعي ما يحدث على الصعيد السياسي.

هذه المرحلة الاخيرة من الانسنة، التي يسمونها ديمقراطية، لا معنى لها، ولا قيمة لها، ان لم تمر بمرحلتي حقوق الانسان وحقوق المواطن. ولذا فان محاولات بعض انظمتنا اصطناع الديمقراطية السياسية، انما هي عملية البدء بالمقلوب، والسقوط في وهم كبير خطير، هو اشبه بحالة الحمل الوهمي الذي يمنع امكانات الحمل الحقيقي.

نقلده، فتحول من وسيلة ممارسة الاختيار الى وسيلة مشرعة القمع ومن ساحة لحق الاختلاف الى مشنقة بحبل الاحادية والشمولية.

وكما عودتنا الانظمة على عدم احترام عقولنا وقلوبنا وحقوقنا، جاء الينا المحتل وقحا مبالغا في ذلك، فسمى احتلاله تحريرا، وسمى مقاومتنا ارهابا، وسمى نهب ثرواتنا وتدمير بنية الدولة والمجتمع استقرارا وحرية، لكأن المسؤولين الاميركيين وهم يتحدثون عن ارهاصات المقاومة في العراق، على انها فعل زمرة تحاول »زعزعة استقرار هذا البلد الذي نعم اخيرا بالحرية« انما يزايدون في الكذب والسوريالية على قيادات العالم العربي التي تتحدث عن الديمقراطية والشفافية والحرية وعلى »بالروح بالدم نفديك يا ….« وليس المهم من هو هذا المنادى، والى اي حد هناك من يفديه.

وحدهم المقاومون الحقيقيون هم الذين يفدون فعلا بالروح والدم، لانهم لا يفدون شخصا او نظاما بل يفدون وطنا، ولا يقاتلون لاجل منافع بل لروح حرية وكرامة.

هؤلاء هم الذين يثيرون الرئيس الاميركي ووزير دفاعه، فيعتبرانهم زمرا تزعزع الاستقرار..

اجل استقرار الذل واللصوص والدمار..

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون