من يهن..!…

صحيفة الدستور، 19-01-2003

»الولايات المتحدة في مأزق« مرة واحدة زل بها لسان كولن باول، وزلات اللسان في التحليل الفرويدي هي الاكثر صدقا وتعبيرا عن النفس.

الكل يرى المأزق: الامريكيون انفسهم، الاوروبيون، الآسيويون، الروس، باستثناء العرب.

لاننا لا نريد ان نراه، اما لان الحرب النفسية التي تفوق الحرب العسكرية اهمية، والتي يشنها ضد العراق، وعلينا، الامريكيون، قد آتت فعلها بامتياز، اذ ان الانتصار المثالي هو ذاك الذي يتحقق بدون حرب، ذاك الذي لا يتطلب خسائر ومخاطر، اذ يؤمن من الاستسلام المسبق.

لم تخف الادارة الامريكية شن الحرب الاعلامية النفسية، منذ الربيع الفائت، ولم تفت بدورها على الرأي العام العالمي، غير ان العالم العربي وضع الرأس في رملها، واستساغ تبرير تقاعسه بضجيج طبولها، لان قياداتنا تبحث بدورها عن هذا التبرير وتريد ان تصدقه حتى لو ادركت انه غير صحيح.

لذلك لا تريد ان ترى المأزق لا يريد اعلامنا الموجه ان يبرر المأزق الصعب في امريكا الجنوبية، مع قيام خمسة انظمة ديمقراطية معادية للولايات المتحدة، آخرها القوة الصناعية العاشرة في العالم، برازيل الـ170 مليونا.

واذا ما اورد خبر فنزويلا بدأ بخصوم الرئيس هوغو شافيز، وقلل من شأن مؤيديه الذين لم يوصلوه الا عبر صناديق الاقتراع، ولم يقل ان هؤلاء الخصوم يتحركون بدفع امريكي كما كان امر جماعة خليج الخنازير في كوبا.

ولا تريد ان ترى المأزق الصعب في آسيا، حيث كلما تشدد الكوريون مدعومين من بكين، تنازل الامريكيون اكثر، وتحول الصقور المنقضون على بغداد حمائم ترفرف بعيدا عن بيونغ يانغ.

وحيث لم تؤد الحرب المجزرة ضد افغانستان الى السيطرة حتى على كابول، ولا يدري احد الى ما ستؤول اليه لعنة المستنقع الافغاني.

لا نريد ان نرى المأزق في اوروبا، حيث يشتد عض الاصابع بين الدولار واليورو، وبين استقلالية يقودها تحالف الماني – فرنسي وتبعية يقودها توني بلير الذي تنزع عنه بريطانيا كل يوم قطعة اخرى من ستر تأييدها، حتى داخل حزبه، بحيث لن يصل الانتخابات المقبلة الا عاريا. ولعل في تأييد صناديق الاقتراع لشرودر بناء على موقفه من العراق ورفض الشارع البريطاني لبلير بناء على ذلك الموقف دلالة كافية.

لا نريد ان نرى المأزق الاكبر القائم عندنا، فادارة جورج بوش تقف الآن بين استحالتين: عدم قدرتها على الحرب، وعدم قدرتها على التراجع عنها.

لا هي قادرة على التورط، ولا هي قادرة على التراجع.. والحل؟

من له الا الشهامة العربية التي تنبري دائما لنصرة المستغيث؟

نصرة تتمثل في حفظ ماء الوجه الامريكي باقناع الرئيس العراقي بالتنحي والنفي الاختياري. اي بتحقيق هدف واشنطن دون حرب لم يعد اكثر المستشرسين في دعم خيارها يخفي انها »صعبة، قاسية وخطرة ومجهولة التوقعات« كما كتب اليهودي الصهيوني بول وولفوويتش في الواشنطن بوست. وذلك بعد ان كشفت الصحيفة المذكورة عن ان القادة العسكريين يعارضون الحرب، وعلى رأسهم قائدا الجيش والمارينز. وبعد ان تصاعدت المعارضة الداخلية الامريكية ضد هذا الخيار وبدا واضحا ان الصعوية الحقيقية المجهول المخيف، هو ما بعد الغزو، لا ما قبله او خلاله..

انه المأزق..

والعرب ينبرون لاخراج جورج بوش منه، وهم يتفرجون ببرود الميت على المفتشين الدوليين ينتهكون حرمة قصر الرئاسة، الذي يمثل كرامة وسيادة العراق، دون ان يقول مسؤول واحد ان هؤلاء لا يمتلكون حق دخول مفاعل ديمونا الذي يمتلك مئات الرؤوس النووية ولا يجرؤون على المطالبة بذلك..

بل انهم هم الذين حملوا حقائبهم مطرودين من بيونغ يانغ، فراح الامريكيون يستجدون التفاوض لتقديم مساعدات ثمنا لاعادتهم..

ومن يهن يسهل الهوان عليه..

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون