فليسفح الدم البارد، فليسفح القلب البارد فلتذهب ادوات التحليل الباردة الى الجحيم…
انت فقط امام رئيس دولة عربية، من اكبر الدول العربية واهمها، وامام قوة احتلال غاصبة توظف كل اساليبها الاخراجية لاذلالك.
قد لا تحس بمعنى ذلك وانت على ارضك، بقدر ما تحسه وانت تذرع شوارع عاصمة غربية هربا من مواجهة المرارة.
لن اذهب اليوم الى الجامعة، لا طاقة لي بالحديث التنظيري المتدفق عن الديمقراطية، الاساتذة المشرفون لا يتناولون الديمقراطية كقيمة انسانية مطلقة يتساوى فيها الجميع بل كقيمة غربية خاصة بهم وبهم وحدهم، تميز ثقافتهم ولا بد من فرضهاعلى العالم كله.
عباءة تحضّرغربية لابد لنا نحن المرتجفون من برد التخلف ان نلبسها كما هي، بدون اخذ قياساتنا وشكل اجسادنا واذواقنا في الخطوط والالوان.
الديمقراطية درس نحفظه بصما وليس لنا ان نناقشه او نكّيفه او ناخذه في سياق حياة. وبهذه الصيغة لن يكون لاعتقال رئيس دولة ذات سيادة طعم التعدي على كرامة شعب وانتهاك لتاريخ، ولن يكون لتعمد اختيار اللقطة التي يتحكم فيها السجّان برأس الاسير ويدخل يده في فمه معنى الانتهاك وقمع النطق والصوت والحركة.
لا طاقة لي انا ابنة البرابرة في الجنوب بالاستماع الى منظّري الامبراطورية في الشمال، لا طاقة لي بتحمل مطر خطبهم انا المختنقة بطوفان الاستلاب والقهر والاذلال.
لا طاقة لي ايضا بمناقشة مشروع رسالتي حول الفضائيات العربية، هذه التي دخلت اسر الامبراطورية قبل صدام حسين بكثير، وربما تمهيدا لاسره.
ساهرب الى الشوارع، لكن الشوارع هي الاخرى تخبىء لي عند كل زاوية فرقة من جلادين، لم الحظ مرة ان اكشاك المجلات والصحف كثيرة الى هذا الحد، وكريهة الى هذا الحد : صور الاغلفة، العناوين تنوع في وحدة التشفي والتعالي واللؤم : هؤلاء الاوروبيون، ما الذي اذاهم به صدام حسين؟
اهم مقرض لفرنسا، اهم مشتري اسلحة، اهم تبادل تجاري، ارفع العلاقات السياسية، قبل الحصار وبعده، بل بعده، اول رئيس دولة يعطي اليورو افضلية على الدولار ويدخله الى ساحة مبيعات النفط.
رجل قمع؟ الم تكن فرنسا نفسها تسلمه المعارضين العراقيين عندما كان قادرا على تبادل صفقات معها؟
الم يعترف بذلك تفصيلا جاك اتالي في كتابه عن عهد ميتران؟
ولكن اليست هي الميركانتيلية النفعية نفسها هي التي تدفع الان الى استرضاء الخازندار، الذي انتقلت اليه مفاتيح الثروات؟
والقيم، لا يمكن لك ان تسمع في دهر تكرار كلمة القيم كما تسمعه هنا في شهر. لكن الكلام يظل هو الكلام، والسؤال يظل : اية قيم؟
في هذه الشوارع فقط، ومع هذه التأملات تحس بعمق انهم سيظلون هم ونحن سنظل نحن، وتساورك الشكوك المرة حول مصطلح حوار الحضارات.
تذهب بي خطاي الى احدى المؤسسات العربية، والتقيه هناك، ديبلوماسي اعرفه منذ زمن، معاديا لصدام حسين ولنظامه، يفاجئني بانه مثلي تائه في الشارع، ويضيف : ” والله لم انم البارحة، لم احب الرجل يوما، ولكنها طعنة لا تحتمل في عمق الكرامة، باي جبين ساقابل الديبلوماسيين الاخرين، ومن امثّل؟
ادخل المكتبة، ابحث عما لااعرف، الكتاب الاول عن المغرب العربي، اعيده. الثاني….
عن زنوبيا.
يا الهي من ناداك ايتها الزباء؟ ولماذا؟
ألتذكّرين بانك حلمت يوما بمواجهة روما الامبراطورية، انها تركتك تهزمين الفرس ثم ساقت طغيانها لسحق مشروعك النهضوي وطموحاتك الاستقلالية،انك هزمت لخيانة من حولك، واعتقلت وانت متخفية في طريقك لاستنهاض قبائل البادية للمقاومة.
أي تواز تاريخي !!
اانت انت وحدك؟ ام انت ايضا فخر الدين وعمر المختار وو…؟ الم يحلم الاول بمواجهة امبراطورية الباب العالي وتحرير سوريا حتى البوابات الكيليكية، بالتحالف مع عكا وحلب، ثم هزم واسر وشنق مع ولديه على ارض الاستانة؟
الم يرفع الاسر الثاني ليرمى من فضاء حلمه الكبير فوق صحراء ليبيا؟
مستبد، ديكتاتور ام دموي، صدام حسين هو الان الزباء وفخر الدين وعمر المختار، هو نحن الواقعون في الاسر المهين والانتهاك المذل.