اخر كتاب طلبه كان كتاب هوشي منه… وجدنا صعوبة في الحصول عليه لكننا امناه اخيرا.
هكذا يقول المترجم الخاص للرئيس العراقي صدام حسين في الكتاب الذي صدر مؤخرا في باريس، والذي دوّن فيه بالتعاون مع الصحافيين الفرنسيين: كريستيان شينو وجورج مالبورن قصته مع الرئيس حتى اللحظة الاخيرة.
المقصود هنا ليس الكتاب بذاته، لاننا سنعرضه بشكل مفصل في سياق اخر، وانما ربط هذه الملاحظة بما يتردد باستمرار على لسان المسؤولين الاميركيين واعضاء مجلس الحكم العراقي بخصوص عمليات المقاومة العراقية، من ان الذين يقومون بها هم عناصر جاءت من الخارج، والطريف هنا تصريح جرينستوك الذي قال فيه: »ان لدى جيران العراق عناصر تريد ان تتدخل في الشؤون التي لا تعنيها«.
فبصرف النظر عما اذا كان هذا التدخل حقيقة ام لا، فان المفارقة المضحكة المبكية هي ان تكون شؤون العراق تعني الاميركيين ولا تعني العرب او الجيران.
لكن الامر الاكثر غرابة هي ان يستكثر هؤلاء على العراقيين الا يقبلوا بالاحتلال، ان يكون لديهم رجال مستعدون لمقاومته، لكن الثمانية وعشرين مليون عراقي لا يفرزون الا امثال احمد الجلبي، لكأنهم كلهم ورثة علي بابا وليس فيهم وريث لسعد ابن ابي وقاص او لصلاح الدين او لنبوخذ نصر، لكان النسب بينهم وبين ابطال ثورة العشرين قد انقطع.
صدام حسين طلب كتاب هوشي منه، والبعثيون الحقيقيون الذين لم يحملوا البطاقة الحزبية من باب تسهيل الامور، يختزنون ارثا من حبر ودم النضال، ولكن ثمة اناس اخرون، ينتمون الى فئات اخرى: علمانية او دينية، مدنية ام قبلية… عراقية في النهاية، فئات لكل منها ارثه النضالي ومرجعياته الثورية او الجهادية، ولها جميعا انتماؤها الوطني ولا يمكن لها بالتالي الا ان تبادر الى مقاومة الاحتلال، وحتى اولئك الذين صدقوا بسذاجة قصة التحرير، لابد وان تحركهم صدمة الواقع ضد الاحتلال وضد من كذبوا عليهم وهم عارفون.
واذا كانت الجهات الاميركية قد بدأت تتخبط وتتضارب تصريحاتها حول اعمال المقاومة وهويتها، فنرى من يعترف بان غير العراقيين لا يشكلون الا نسبة ضئيلة جدا في صفوفها، ونرى مجلة ديفنز انالايزز تعترف بان الوضع اصبح خطيرا جدا والهجمات لم تعد معزولة، ليصل الامر حد ابداء كولن باول قلقه من انسحاب الشركات المستثمرة، قلق يؤكده تصريح احد مسؤولي هذه الشركات لصحيفة فرنسية: »نخشى ان نصبح اهدافا، وحتى اعلاننا باننا باقون يعلم الناس ويعرضنا للخطر« اذا كان ذلك حال الاميركيين، فان حال مجلس الحكم اسوأ بكثير، لان ثمة معادلة قد انقلبت تماما الان فبالامس كان طرفاها: نظام ديكتاتوري يعاني الجميع من قمعه من جهة، ومعارضة مختلفة الاطياف والايديولوجيات والمواقف والانتماءات توحدها فقط معارضتها لهذا النظام والرغبة في اسقاطه بعد ان وحدها قمعه، اما الان فقد اصبحت المعادلة: احتلال وسلطة متعاونة معه من جهة، ومقاومةمتعددة الاطياف والايديولوجيات والانتماءات يوحدها الاصرار على التخلص من الاحتلال ومن يتعاون معه.
صحيح ان تعددية المقاومة وتشكيلة فصائلها لم تتبلور بعد، وقد يكون من الايجابي انها لاتعلن عن نفسها وهويتها الفصائلية بعد كل عملية، لكنها لا بد ان تتبلور، وان يكون تبلورها هذا بداية الطريق نحو تعددية ديمقراطية تفرض نفسها ولا يفرضها الاميركيون واسرائيل.
لكن هل سيترك هؤلاء ذلك يتحقق؟
بل وهل يريد العرب الاخرون له ان يتحقق؟
هذا اذا كان لهم ا ن يريدوا.