ان ينذر جون بولتون اسرائيل بان امامها ثمانية ايام لضرب مفاعل بوشهر لامر يبدو وكانه نذر الحرب، وحث للكيان الصهيوني على الاسراع في شنها. هذا اذا قرانا عبارة ” لا اله… ” وتوقفنا بعدها. اما اذا اردنا ان نكمل ” الا الله” فان المعنى يصبح اخر، ودلالة القراءة اخرى. فالسفير الاميركي يكمل قائلا بان ضرب المفاعل الايراني يصبح مستحيلا بعد ثمانية ايام، لانه في هذه الحال سيعرض حياة المدنيين للاذى ويعرض البيئة للتلوث الاشعاعي.
وبالتدقيق يتحول ها الكلام الى انذار لاسرائيل لا لايران، حيث نقلب الجملة فاذا هي: غير مسموح ضرب ايران بعد ثمانية ايام لان النتائج ستكون غير مقبولة دوليا وانسانيا.
الثمانية ايام ليست مهلة معقولة لاتخاذ قرار الحرب، الا اذا كان القرار متخذا، واجراءات التنفيذ متخذة والمهلة هي فقط للتنفيذ. وفي هذه الحال لا تعود التصريحات الصحفية جائزة، ولا تحديد المواعيد جائزا، بالمنطق العسكري والسياسي.
هل وصلت الولايات المتحدة الى قرار نهائي باستبعاد خيار الحرب، وظل عليها ان تفرضه على اسرائيل نتنياهو التي لا تريد شيئا كما تريده؟
ام ان صفقة ما قد تمت، بطريقة مباشرة او غير مباشرة بين طهران وواشنطن، ادت الى هذه النتيجة؟ واية صفقة؟ وعلى حساب من؟
الساحتان المرشحتان للمقايضة الايرانية، هما لبنان والعراق.
في الاولى لا يبدو ان ايران مستعدة لان تبيع حزب الله وحلفاء المقاومة اللبنانية للولايات المتحدة، لعدة اسباب، منها الستراتيجي ومنها التراتبي. فسلاح حزب الله في لبنان هو ضمانة لايران، لانه الذراع المسلطة فوق الجليل الاعلى، وربما فوق حيفا وما بعد حيفا. وهذا تفوق لا يتخلى عنه الا مجنون. كذلك فان وجود الحلف اللبناني حول حزب الله هو ضرورة لسوريا للحفاظ على توازن ما مع دول الاعتدال العربي، وبالتالي على الاستمرار في حلفها مع طهران. وبذا، هو ضروري لخلق توازن ايراني – سوري – سعودي على الساحة اللبنانية ومنها على الساحة العربية ككل. كذلك فان القضاء على سلاح المقاومة لن يعني سياسيا الا انزلاق لبنان وبسرعة الى 17 ايار جديدة، قد لا تكون نتائجها قابلة للنقض ك 17 ايار 1983، وستؤدي عسكريا الى تغيير عقيدة الجيش، واقتصاديا الى فتح الاسواق اللبنانية امام البضائع الاسرائيلية، ونفطيا الى تعاون اسرائيلي – لبناني في مجال النفط والغاز المكتشفين على الشواطىء اللبنانية – الفلسطينية، في وجه الحقول المكتشفة على الشاطىء السوري. وهذا كله ما لن تقبل به تركيا ايضا.
في الثانية، يصطف الاميركيون في طابور الانسحاب العسكري، وهو ضرورة لا تستطيع حكومةاوباما التراجع عنها. لكنها ضرورة غير قابلة للتحقيق الا بتحقق ضرورة اخرى، هي تشكيل حكومة محلية قوية قادرة على ضبط الاوضاع ول ونسبيا، وقادرة على التكفل بتنفيذ الاتفاقيات الاقتصادية والتجارية، التي تريد واشنطن ان تستد عبرها جزءا من تكاليف حرب العراق. ولذلك ارسلت جيفري فيلتمان الى بغداد، في الاسبوع الماضي، في زيارة اعلن عن جانبها الخاص بالاتفاقيات التجارية، فيما برزت دلالة لا تحتاج الى اعلان، وهي ان تكليف بطل الازمة اللبنانية 2005- 2008، والمندوب السامي الاميركي في لبنان خلال تلك الفترة، بالعراق، يعني قرارا بنقل ساحة تركيز الادارة الاميركية.
لقد بدا الاميركيون بالعراق، وقرروا اطلاق الشرق الاوسط الجديد من ساحته، وعندما احسوا انهم فشلوا قرروا نقل قاعدة الاطلاق الى لبنان، واليوم اذ يرون فشلهم يقررون العودة الى التركيز على العراق، بطريقة اخرى، بعد النجاح النسبي في مسالة الصحوات، وبعد نجاح – وللاسف – الفرقة بين صفوف المقاومة البعثية وصفوف المقاومة الاسلامية بفصائلها السبع المتحالفة في مجلس واحد.
اما من الجانب الاسرائيلي فالامر مختلف: ارادت اسرائيل ومن ورائها الصهيونية العالمية، التخلص من القوة العربية الوحيدة التي كانت تشكل لها تهديدا نظاميا: العراق، فنجحت، ودمرت كل شيء بدءا بالجيش الذي كان يلقب برابع جيش في العالم.
وهي تريد الان التخلص من القوة العربية الوحيدة التي تشكل لها تهديدا غير نظامي ( كوماندوس ) اي حزب الله. لتكتمل بذلك الحلقة.
وفي ذلك تنفيذ للستراتيجية الدقيقة التي حددها بنيامين نتنياهو عام 1995 في كتابه الستراتيجي: “امن وسلام – استئصال الارهاب “، والتي اعاد تكريسها في خطابه امام الكونغرس غداة الحادي عشر من سبتمبر. ستراتيجية يفترض ان تنتهي بضرب ايران بحسب رئيس الوزراء الاسرائيلي.
لكنها على ما يبدو حسابات حقل اسرائيلي، لم تنطبق على البيدر الاميركي، الذي يجد نفسه بحاجة الى الحصاد العراقي.
فهل يكون استبعاد المالكي، وبوادر الانفراج في تشكيل الحكومة العراقية، بتسهيلات ايرانية، ثمنا لاستبعاد ضربة تقع في صميم المصلحة الاسرائيلية، لكنها لم تعد تشكل مصلحة لواشنطن؟